50 عاماً مرت على انتصار السادس من أكتوبر 1973، وتحاول إسرائيل أن تداوى جرحها، إلا أنه ما زال ينزف، فبعد نصف قرن من الزمان يعانى المجتمع الإسرائيلى من مرارة الهزيمة التى تجرعها بأيادى أبطال الجيش المصرى، ويكشف الإعلام الإسرائيلى عن هذا الجرح، واصفاً أن كل الحروب التى خاضتها إسرائيل بعد 1973 تركت ندوباً، بينما ما فعله الجيش المصرى سبب جرحاً عميقاً لم يلتئم بعد.
منذ اللحظات الأولى لحرب أكتوبر المجيدة، وسماع دوى صافرات الإنذار فى كل أرجاء إسرائيل، وهناك حالة داخل المجتمع الإسرائيلى من الانشغال بالحدث، حالة امتدت لـ50 عاماً، من الجدل المثار عبر نشر سير ذاتية ومذكرات وقصص عن الحرب وويلاتها ودراسات وتحليلات وتحقيقات، ووصف الإعلام الإسرائيلى هذه الحالة، فى اليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر، بأنها نتيجة لجرح لم يلتئم، مدللاً على ذلك بثلاثة مشاهد داخل المجتمع الإسرائيلى خلال الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر.
- المشهد الأول
عبر عنه الكاتب الإسرائيلى دان مارجاليت قائلاً إنه رغم إقراره بأن الشغف حول حرب «يوم الغفران» (حرب أكتوبر بمسماها العبرى) مستمر، وأن حالة الغضب فى المجتمع من نتيجتها مفهومة لكنه حدد رؤى حول الحدث، الذى مر عليه 50 عاماً، تؤكد أن جرح الحرب لم يلتئم، وهى: أولاً محاولة تبييض بقعة جولدا مائير السوداء فى السينما والكتب، وشدد على أن هذه المحاولة لن تنجح، معتبراً أن «مائير»، رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبر، تحتل المركز الأول على منصة المتهمين فى محاكمة التاريخ. ثانياً: أن طبيعة المصرى أشرف مروان «الجاسوس الملاك» لا تزال موضع تحقيق، مؤكداً أن استمرارية التحقيق رغم أن الموساد يدعى أن كل شىء سار على ما يرام، تكشف أن الجرج لا يزال مفتوحاً.
- المشهد الثانى
هذه المرة، عبر عن المشهد الرئيس الإسرائيلى يتسحاق هرتسوج، فى مقال نشرته صحيفة «إسرائيل هايوم» بمناسبة اليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر، قال فيه إنه كان مراهقاً «فى سن بار ميتسفاه» (سن البلوغ عند اليهود 13 عاماً) عندما اندلعت الحرب، ومنذ تلك الأيام، فى كل عام، فى مراسم يوم الذكرى فى الحى الذى نشأ فيه، يتردد أسماء ضحايا حرب «يوم الغفران»، من أهل الحى: الجيران والأصدقاء، فى أذنه. مؤكداً أن الحرب تركت بصماتها على جيل كامل، تلقى ضربة قاتلة. وأن الجرح الذى فُتح فى تلك الأيام قبل 50 عاماً، من المشكوك فيه أن يلتئم يوماً ما.
وأكد الرئيس الإسرائيلى أنه بعد 50 عاماً من هذه الحالة، التى وصفها بحالة «التهديد الوجودى»، يجب على الإسرائيليين أن يدركوا أنه لا ينبغى أبداً أن يغرقوا فى الرضا عن النفس، أو كما سماها «الأجواء التى كنا فيها مثل الحالمين»، فى إشارة إلى اعتقادهم بأن جيشهم «لا يقهر»، وهو الحلم الذى بدده الجيش المصرى الباسل بعد تحطيم خط بارليف، وإلحاق الهزيمة بالجيش الذى يزعم أنه «لا يقهر».
- المشهد الثالث
وهو مشهد يؤكد عمق الجرح الإسرائيلى، عبرت عنه الكاتبة الإسرائيلية كرنى الداد، ممثلة عن الجيل الذى ولد عقب الحرب مباشرة أى فى شتاء عام 1973، وقالت عن هذا الجيل: «على الرغم من أننا لم نولد حينها، إلا أننا نشعر كما لو كنا فى تلك الحرب. تحترق فى ذاكرتنا، لأنها كانت فى الظل الذى مر على وجوه آبائنا فى جميع سلوكياتهم معنا، فوجدنا الحرب تحترق فينا، نحن أطفال شتاء 73». كما أكدت أن هناك طريقة أكثر جوهرية تمثل جرح الحرب حتى الآن وهى أن عواقب هذه الحرب موجودة فيهم حتى يومنا هذا، «عواقب لا ندركها، مثيرة للاهتمام للتحقيق فيها». ودللت على ذلك بأن العديد من الدراسات عن الحالة العقلية للأم أثناء الحمل ونمو جنينها تبين أن الكورتيزون الذى يجرى إفرازه بسخاء فى أوقات القلق أو التوتر أو الاكتئاب عند الأم يؤثر على الجنين فى الرحم.
فى النهاية، نجد أن الجرح الغائر الذى سببه الجيش المصرى فى جبين إسرائيل ما زال يؤلمهم، ودليل على هزيمة الجيش الإسرائيلى المتغطرس، وتفشى هذا المفهوم فى سلاسل المجتمع الإسرائيلى بين الجيل الذى شهد الحرب والجيل الذى ولد بعد الحرب مباشرة وحتى فى الجيل المعاصر، الذى تشغله أحداث الحرب ويحاول أن يرفض أى تبريرات للهزيمة، ورافضاً أى محاولات «لسرقة نصر» المصريين.