فى الجزء الأول من هذا المقال تحدثت عن حديث بعض الأوساط الغربية، سواء السياسية أو الإعلامية التى تدعو لإبرام صفقة مع مصر تستقبل بموجبها المهجرين الفلسطينيين قسرياً من قطاع غزة -أو اللاجئين فى روايتهم- مقابل أن تحصل القاهرة على مساعدات مالية تستفيد بها اقتصادياً أو توظفها للإنفاق على هؤلاء المهجرين، ومحاولة تشبيه ذلك بحالة قبول تركيا من قبل اللاجئين السوريين، وأكدتُ أنه حتى لو لم يكن أمام المصريين إلا التراب ليسدوا جوعهم فلن يقبلوا بهذه الصفقة، ولن يقامروا أو يتاجروا أبداً بخطوة لا تعنى شيئاً إلا تصفية القضية الفلسطينية وهذا أمر يعرف الجميع أنه خط أحمر مصرى. لكن يبدو أن الحيل لا تنتهى، وأمام الرفض المصرى الحازم والقاطع فى مسألة استقبال الفلسطينيين، بدأت بعض المواقع ووسائل الإعلام الغربية على مدار الأيام الماضية تطرح وجهات نظر ترى أنه يجب بذل مزيد من الضغط على السلطات المصرية من أجل إقامة مخيمات فى سيناء لاستقبال المدنيين الفلسطينيين، الذين يواجهون أصعب أيامهم فى ظل «الحرب بين إسرائيل وحماس» كما يسمونها، وبالطبع يقولون إن هذا الخيار الأمثل لحماية هؤلاء الأبرياء وإنقاذهم من الموت، وأنه على المجتمع الدولى أن يتحرك لإقناع المصريين بذلك وأن هذا من أجل الإنسانية.
وأنا عندما أسمع توصيفات المدنيين والأبرياء بهذه الطريقة وبتلك الصياغات التى يتحدثون بها، أدرك على الفور أن المرة القادمة سيتحدثون عن حقوق الإنسان، والترجمة الفورية ستكون مصر تنتهك حقوق الإنسان، وقادنى ذلك أن أتذكر فيديو رأيته بالصدفة للفنان محمد محمود فى بداية الأحداث يقول نصاً وبحرقة: «من أول يوم حصل فيه الموضوع ده وأنا عارف نهايته، انتظروا الفترة الجاية مصر هى اللى هتبقى ضد حقوق الإنسان، وانتوا فاهمين يعنى إيه، لما هيجيبوا كل الإخوة اللى فى فلسطين على الحدود، على المعبر المصرى ويقولك مصر مش عايزة تدخلهم، ساعتها يبقى مصر هى المجرمة وهى اللى ضد الإنسانية». وأنا هنا وقبل كل شىء أعتذر للفنان محمد محمود لأنى عندما سمعت كلماته -وأنا من درس العلوم السياسية ويعمل بالصحافة لأكثر من 11 عاماً- اعتبرت أن ما يقوله نوع من المبالغة أو بعبارة أخرى «أفورة» وحديث به قدر كبير من السطحية، لكن أنت كنت محقاً، لأنهم بالفعل يتحدثون الآن فى بعض وسائل الإعلام الغربية عن أن عدم فتح المعبر وإقامة مخيمات للفلسطينيين فى سيناء لا يتماشى مع قيم ومبادىء حقوق الإنسان وأن مصر وقتها ستكون المتهمة. أيها الخواجات فيه واخد مثل بلدى بيقول «ودنك منين يا جوها»، ودعونى أترجم لكم، إذا كنتم تريدون أن ترفعوا المعاناة عن الفلسطينيين وتهتمون لهذه الدرجة بحقوقهم فالحل سهل وبسيط، اطلبوا من إسرائيل وقف إطلاق النار، اطلبوا منها إفساح الباب أمام إدخال المساعدات الإنسانية، اطلبوا منها وقف استهداف الأبرياء والأطفال والنساء، أليس هذا أسهل بكثير من دعمكم لجريمة حرب جديدة بتهجيركم القسرى للفلسطينيين؟!
«الخل واضخ يا خبيبى وسهل»، ولكنكم يا أوروبيون لا تزالون تحبون خلط الأوراق كعادتكم، خصوصاً مسألة حقوق الإنسان لعبتكم التى يبدو أنكم لن تتخلوا عنها أبداً، فلطالما كانت هى الشماعة التى تعلقون عليها تدخلاتكم فى شئون كل الدول، وهى الآن شماعتكم لتبرروا بها التهجير القسرى للفلسطينيين، وهى شماعتكم لتبرروا بها أحياناً جرائم الحرب، وهى شماعتكم التى تجدون عبرها حيلة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية وتلبون بها أمنيات إسرائيل ولوبياتها وأصحاب المصالح المنخرطين معها. رفضت مصر وأفشلت مخططكم لتهجير الفلسطينيين من غزة، فبحثتم عن حيلة جديدة وتتحدثون عن حفنة أموال للمصريين مقابل استقبال هؤلاء فرفضنا، لأنه ليس المصريون ببائعى شرفهم وقضاياهم، وأنا هنا أتحدث عن فلسطين التى وصفها رئيس مصر عبدالفتاح السيسى بأنها قضية القضايا، ثم الآن تتحدثون عن إنقاذ المدنيين وحقوق الإنسان، ونحن نقولها ببساطة عليكم أن تفكروا فى الحجة القادمة وبعد القادمة وبعد بعد القادمة، لا أريد نصحكم بألا تفكروا فى حجة لأننا لن نقبل ولا الفلسطينيون سيقبلون ذلك مهما قلتم أو فعلتم، ولكنى لا أخفيكم سراً أتلذذ بكل ما يرهقكم ويتعبكم حتى لو كان الأمر مجرد تفكير وإرهاق لعقولكم فيما يمكن أن تقترحوه على مصر لاستقبال الفلسطينيين.
نقولها ونكررها «يمكن تفهموا» -وأنا أعلم أنكم تفهمون- كل فلسطينى يدخل أرض مصر فهو على رأس كل مصرى ومصرية من أكبر شيخ حتى أصغر رضيع، والفلسطينيون يعلمون ذلك، ويعلمون كذلك أننا لا نغلق أبوابنا أمامهم ولكننا معهم فى نفس الخندق نخشى تصفية قضيتنا، ولا تجعلوا ذيولكم كذلك يلعبون فى مساحة الوقيعة مع الفلسطينيين فهذه أيضاً بكل بساطة «حارة سد».