فى ١٧ مارس ٢٠١٢ رحل البابا شنودة.. بعد ٨٩ عاماً من العطاء تحول معها إلى البابا التاريخى للكنيسة المرقسية وليسجل اسمه بحروف من نور فى قائمة طويلة من «بابوات» كنيستنا المصرية العريقة جنباً إلى جنب وتالياً فى التاريخ وفى المكانة وفى المهمة للبابا كيرلس السادس!
كلاهما شهد أحداثاً تاريخية كبيرة.. الستينات وما فيها من بناء الكاتدرائية ذاتها إلى التحديات التى واجهتها الدولة وقتها ودعم الكنيسة الوطنية لها إلى ظهور العذراء فى الزيتون.. وفى السبعينات تحديات أخرى للدولة وللكنيسة وللبابا شنودة نفسه انتهت بعودة من العزل مسجلاً قرارات للتاريخ ستبقى محفورة باسمه لألف عام قادمة مثل تحريم زيارة بيت المقدس وهى تحت الاحتلال!
كل ذلك.. وغيره.. كان دافعاً وسبباً ليتطلع الناس.. كل الناس.. مسيحيين ومسلمين.. للبابا القادم.. ومساحة الشبه الممكنة مع من سبقوه.. بل كان القلق مشروعاً فى ظل أحداث ربما كانت أصعب من سابقيه تمر على البلاد حتى إن القدر جعل قرار اعتماد قرار السماء باختيار البابا تواضروس بيد العصابة المجرمة التى خطفت مصر وشعبها وسلطتها وحكمها ومؤسساتها فى ليل!
ففى نوفمبر ٢٠١٢ تأتى القرعة الكنسية بالبابا تواضروس على رأس الكنيسة المصرية! بعد التهانى الرسمية وعبارات المجاملات المعروفة فى مثل هذه المناسبات من رئيس الإخوان ومساعديه ومن حوله والجميع يعرف كيف تصاغ وتصنع وتصدر هذه المجاملات. نقول وسط ذلك تجرى جريدة حزب الجماعة «الحرية والعدالة» حواراً مع البابا الجديد سألته فيه عما يطلبه من الحزب فقال: ليست لى مطالب سوى «الحرية والعدالة».! فكانت أول إشارة ليتفاءل الجميع وأننا مرة أخرى أمام بابا جديد تاريخى للكنيسة وأنها «ولادة» دائماً وأنه الابن البار لهذه المؤسسة الدينية العظيمة!
حاولت الجماعة العصابة الإرهابية المجرمة التى فى السلطة وقتها توظيف ورقة الكنيسة المصرية.. لتمرير حكمها فى الخارج واحتواء أقباط مصر وشق المجتمع المصرى وصفه الذى بدأ ينتبه لسلوك الجماعة فى الشارع المصرى وفى حكم البلاد واتجاهه إلى تغيير معالم الدولة المصرية وقيم شعبنا نفسه.. فكان التودد من بعض رجال السلطة الجديدة المختطفة وعلى رأسهم رجل الديوان السفير رفاعة الطهطاوى، ولكن كل محاولات الاحتواء وفصل الأقباط عن باقى إخوتهم المصريين فشلت وبلغت الدراما قمتها بلقاء مشترك اتفق عليه قداسة البابا مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ولقاء رئيس الإخوان لنصحه ومعرفة رؤيته فى التعامل مع الأحداث خاصة بعد انطلاق الشارع المصرى بقوة صوب إنهاء حكم الجماعة وحكم المرشد ونشطت حركة تمرد وبدأت الدعوة فى كل مكان لـ٣٠ يونيو!
وفى قمة الجد والجدية يسأل قداسة البابا رئيس الإخوان: ماذا بعد ٣٠ يونيو؟! وكانت الإجابة فى استخفاف لا مثيل له من الرئيس الإخوانى: «لا شىء سيأتى ١ يوليو و٢ يوليو و٣ يوليو» ثم ضحكة شريرة كريهة وربما رقيعة!
فى تلك اللحظة.. والكنيسة يتولى أمرها بابا كبير عظيم يقدم سريعاً سريعاً لشعبنا كله كل أوراق الثقة، تنطلق فكرة كتاب عن هذا الرجل فى ذهن الزميلة شيرين عبدالخالق الإعلامية المرموقة وإحدى أبرز مذيعات الإذاعة المصرية وشبكة الشرق الأوسط تحديداً بتميز أخلاقى ووطنى ومهنى مميز ومميز للغاية.. وعندئذ.. وعندئذ فقط تتفرغ «عبدالخالق» لرصد مواقف قداسة البابا وإدارته لشئون الكنيسة وللأزمات التى تمر وستمر بها فى ظل أوضاع غير مسبوقة مرت على الكنيسة وعلى مصر كلها!
وكان كتاب «البابا تواضروس الثانى.. سنوات من المحبة لله والوطن» الذى قدم له وكتب مقدمته المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية السابق، ليتحول الكتاب الذى صدر العام الماضى وتحديداً أكتوبر ٢٠٢٢ إلى حدث فى ذاته.. فهو الكتاب الأول تقريباً بهذا الشكل وبهذه الصورة وبتلك التفاصيل الذى يصدر عن البابا تواضروس.. وهو الكتاب الوحيد -حتى الآن على الأقل- الذى يفتح له قداسة البابا قلبه ويتحدث -فيه وإليه- بأريحية لافتة، وتستطيع شيرين عبدالخالق بكفاءة مدهشة أن تصل إلى تفاصيل دقيقة أو حتى شديدة الدقة جرت ووقعت فى أحداث تاريخية مرت بالبلاد سجلتها ودونتها واحتفظت بها فى سطور مهمة من تاريخ مصر المعاصر.
وفى عيد «تجليس» قداسة البابا العظيم الذى تحل فى نوفمبر من كل عام.. نستدعى أهم «تدوين» لتاريخ قداسته نفسه وتاريخ كنيستنا المصرية الوطنية الغالية على وعند كل مصرى.
الكتاب بدأ وانتهى وسار واكتمل برشاقة رائعة كأن شيربن عبدالخالق -مع حفظ الألقاب- تمارس الكتابة -وهى الشابة- منذ عشرات السنين دون أن يؤثر ذلك على كم الجهد المبذول فى الرصد والتوثيق والبحث والفحص لعديد من الأوراق والمستندات انتهت إلى النقل الدقيق والصحيح لكافة أحداث تلك الفترة بما فيها ما نعرفه من مقولات خالدة «لو حرقوا الكنائس سنصلى فى المساجد وإذا حرقوا المساجد سنصلى فى الشارع» إلى «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»
كل عام والبابا بكل خير.. عاش المسجد والكنيسة والبابا والإمام الأكبر ومصر كلها.. و.. وكل التحية لشيرين عبدالخالق!