المشهد بليغ.. لا يحتاج إلى وصف.. لكن ربما يحتاج إلى الشرح والتحليل.. فلم يكن إقبال المصريين بهذا الشكل على التصويت فى الانتخابات الرئاسية فى لجان أبناء الوطن بالخارج مفاجأة.. بل كان منطقياً فى ظل تفاعل الجاليات المصرية بالخارج مع كل الأحداث التى تتم وترتبط بدرجة أو بأخرى بمصر.. فى ظل تفاعلهم الفترة الماضية مع كل ما يربطهم ببلدهم من «اتكلم عربى» إلى «بيت الوطن»، وغيرها من مبادرات قدمتها الحكومة المصرية لربط أبنائنا فى الخارج بمصر.. ولذلك كان طبيعياً هذا الإقبال.. كان طبيعياً هذه الحشود وهذا الزحف وهذا التنظيم، والأهم من كل ذلك: هذه المشاعر الجياشة والناس تؤمن أنها تفعل ما يفيد وطنها وتشارك فى اختيار رئيسها القادم وتسهم فى صناعة مستقبلها وصياغة حاضرها! ولذلك كانت التحية واجبة لمئات المتطوعين ممن تركوا أعمالهم ومصالحهم وراحتهم وإجازاتهم لترتيب خروج بلدياتهم وأصدقائهم من المصريين والقريبين منهم وإلى جوارهم فى المدن أو السكن أو العمل أو الدراسة من أجل مصلحة عامة لا مكسب لهم فيها ولا مغنم! إنها الوطنية المصرية الخالصة والمشاعر المخلصة التى تتجلى فى أبهى صورها.. عند الضرورة!
ورغم ذلك.. لم يكن هذا الصدق هو وحده فى المشهد.. علينا أن نتوقف عند جهد إدارة ملف الانتخابات من هيئتها الوطنية التى أدارت ونظمت، ووزارة الهجرة بالتعاون مع وزارة الخارجية التى نفذت وحوّلت الورق إلى فعل على الأرض شاهدناه فى اليوم الأول للتصويت بالخارج إلى فعل وحركة وتنظيم فخيم لم يترك شاردة ولا واردة إلا وكانت محل اعتبار فى 121 دولة بلجان تزيد على الـ137 لجنة راعت وجود المصريين وانتشارهم فكانت -مثلاً- الولايات المتحدة بخمس لجان فى واشنطن ونيويورك وهيوستن وشيكاغو ولوس أنجلوس، وكانت أستراليا فى كانبرا وملبورن وسيدنى، وكانت ألمانيا فى برلين وفرانكفورت وهامبورج، ثم البلاد العربية الشقيقة بلجنتين لكل منها، فكانت للسعودية فى الرياض وجدة، وكانت الإمارات العربية المتحدة فى أبوظبى ودبى، وكانت الأردن فى عمان والعقبة، ثم كانت سويسرا فى برن وجنيف، وكانت فرنسا فى باريس ومرسيليا، وكانت إيطاليا فى روما وميلانو، وكانت كندا فى مونتريال وأوتاوا، وكانت باقى دول العالم بلجنة واحدة فى عاصمة كل منها، على أن يبدأ التصويت فى كل العواصم فى التاسعة بالتوقيت المحلى لكل بلد منها!
هذا التنظيم الدقيق يستحق التوقف ويستحق التحية أيضاً.. لكن يبقى أهم ما يعنينا على الإطلاق أمرين: الأول الحشد المطلوب والضرورى والمهم للرئيس القادم فى مصر.. ليكون مدعوماً شعبياً يستطيع مجابهة العالم كله لمصلحة شعبه ووطنه. الثانى هو صورة شعبنا أمام غيره من الشعوب.. إذ لا يصح تكرار الحديث عن أعرق شعب فى التاريخ ثم تكون حشودنا لاختيار رئيسنا ليست على المستوى الذى نأمله.. نريد ما يليق بشعبنا.. ما يليق بسمعته واسمه ومكانته بين شعوب العالم.. نريد ما يستحقه شعبنا وتنتظره منه الشعوب الأخرى!
على كل حال المشهد الانتخابى يعج بتفاصيل كثيرة سنتناولها الأيام المقبلة، حتى نرى - بإذن الله - رئيسنا الجديد يقسم اليمين الدستورية.