سؤال مهم تم طرحه للنقاش فى جلسة مع مجموعة من الأصدقاء منذ أيام.. السؤال كان عن مدى تقييمى الشخصى لمنظومة التأمين الصحى الشامل حتى الآن.. ومدى نجاح المنظومة وقدرة هيئة الرعاية الصحية على تحقيق أهدافها وتقديم خدمة صحية متميزة للمواطن المصرى!
السؤال بمعزل عن أنه كان يبدو تقليدياً روتينياً ضمن سياق الحديث، إلا أنه فجَّر بداخلى مجموعة كبيرة من التساؤلات التى أعتقد أن طرحها للشأن العام سيكون مفيداً لكل الأطراف وللمنظومة الصحية كلها بشكل عام!
الفكرة أن الإجابة الدبلوماسية أو تلك التى تعتمد على النتائج التى تحققت فى محافظات المرحلة الأولى حتى الآن ستبدو فاقدة للموضوعية إلى حد كبير.. فالمنظومة حتى الآن ما زالت تتحسس طريقها فى محافظات منخفضة الكثافة السكانية.. بل ولم تصل حتى إلى تغطية كل المواطنين بتلك المحافظات.. الأمر الذى يجعل كل ما تم حتى هذه اللحظات هو أقرب لبحث ميدانى أو ما يطلقون عليه «pilot study»!
نعم.. لم تتعرض منظومة التأمين الصحى الشامل لاختبار حقيقى حتى الآن.. ولم تبدأ فى مواجهة تحديات الكثافة السكانية المرتفعة فى محافظات عالية الكثافة أو حتى متوسطة الكثافة السكانية!
لم تتعرض المنظومة لاختبارات معالجة الازدحام.. أو التعامل مع الطوارئ بشكل منتظم فى مساحات جغرافية واسعة.. بل إن المنظومة بأسرها تقدم الخدمة حتى الآن من خلال هيئة الرعاية الصحية وحدها.. ولم تستِعن بالقطاع الخاص أو تتعاون معه إلا فى نطاق ضيق للغاية.. الأمر الذى يجعل عيوباً كتباين مستوى الخدمة بين المراكز المختلفة أو حتى عيوب المحاسبة المالية وحساب التكلفة مع المراكز والمستشفيات الخاصة -وهى مشاكل موجودة فى كل نظام صحى فى العالم- لا تظهر حتى الآن.. ليس لأنها غير موجودة.. ولكن لأنها لم تفعّل من الأساس!
طبقاً لتقارير وزارة الصحة فقد تم إنفاق ما يزيد على الخمسين مليار جنيه على المرحلة الأولى.. ومتوقع أن يزداد الرقم كثيراً عند بداية تطبيق المرحلة الثانية.. فضلاً عن الزيادة المتوقعة فى أسعار الأجهزة المطلوبة للتجهيز بسبب ارتفاع سعر الدولار.. وهى تحديات حقيقية وشديدة الأهمية ينبغى أن تقف أمامها المنظومة.. وتجاوزها يعد شهادة ميلاد المنظومة بأكملها.
المنظومة ستبدأ -وبتوجيه من القيادة السياسية- فى التطبيق فى محافظات متوسطة الكثافة السكانية بداية من العام الجديد.. وهو فى رأيى ما يعتبر الاختبار الحقيقى الذى ستواجهه.. ستبدأ هيئة الرعاية الصحية فى مواجهة التقاعس عن التسجيل أو القفز على مراكز الرعاية الأساسية لمستشفيات الهيئة.. أو حتى طلبات الخدمة غير الضرورية من المواطنين.. ستواجه الهيئة والمنظومة ككل مشاكل التمويل وحساب التكلفة للعمليات المتقدمة بشكل متزايد.. وهو ما أعتبره أهم التحديات التى تواجه أى نظام صحى!
إن التأمين الصحى الشامل هو الحلم الذى يحلم به كل مهتم بالسياسات الصحية على أرض هذا الوطن منذ عقود طويلة.. والمنظومة ككل هى المشروع الأهم الذى ينبغى على الجميع أن يعمل بشكل متواصل لتحقيقه.. من أجل حياة أفضل لأبناء هذا الوطن.. أو هكذا أعتقد!