منذ بداية الحرب فى قطاع غزة، استخدمت إسرائيل سلاح «الكارثة الإنسانية» ليكسبها ميزة وأفضلية أمام صمود الفلسطينيين فى القطاع، فى محاولة لتحقيق نبوءة إشعياء بالمفهوم الإسرائيلى الصهيونى، الذى عبر عنه صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الأسابيع الأولى للحرب.
1- نبوءة إشعياء
فى البداية، دعونا نتعرف على ماهية «نبوءة إشعياء» فى المفهوم الصهيونى المتطرف، فإشعياء هو نبى يهودى بارز، سجلت نبوءاته وقصته فى سفر يحمل اسمه فى «التناخ» اليهودى، وهو نبى تعترف به الديانات السماوية الثلاث، ولكن يفسر اليهود الصهاينة المتشددون دينياً نبوءاته بشكل يخدم أفكارهم الإمبريالية، ويبرر وحشيتهم فى قتل وسفك دماء الفلسطينيين.
وورد فى سفر إشعياء الإصحاح 60 الآية 18 أن «لا يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِى أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِى حدودك، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ: خَلاَصاً وَأَبْوَابَكِ: تَسْبِيحاً»، وفى النسخة العبرية من التناخ تُكتب هذه الآية «לֹא-יִשָּׁמַע עוֹד חָמָס בְּאַרְצֵךְ، שֹׁד וָשֶׁבֶר בִּגְבוּלָיִךְ; וְקָרָאת יְשׁוּעָה חוֹמֹתַיִךְ، וּשְׁעָרַיִךְ תְּהִלָּה». وكلمة ظلم تنطق «حاماس»، أى نفس المخارج الصوتية لاسم حركة حماس الفلسطينية، ومن هنا يعتبر اليهود الصهاينة أن حركة حماس وردت فى التناخ وتنبأ النبى إشعياء بزوالها، وأنه لا يُسمع صوتها مرة أخرى، وهو بالطبع تفسير قاصر على المفهوم الصهيونى الحديث، فلا نجد ذلك المفهوم فى تفاسير المسيحية المؤمنة بنفس السفر فى الكتاب المقدس.
2- الكارثة الإنسانية
تحاول إسرائيل أن تستخدم سلاح الإبادة وتوسيع الكارثة الإنسانية عن طريق القصف والتدمير العنيف وغير المسبوق على قطاع غزة فى محاولة لتركيع المقاومة الفلسطينية والقضاء على حركة حماس، والمبرر تحقيق «نبوءة إشعياء» بالمفهوم الصهيونى، وهو ما قاله «نتنياهو» صراحة، فى 25 أكتوبر الماضى، بأنه سيحقق «نبوءة إشعياء» فى الحرب التى يشنها على قطاع غزة، واصفاً الفلسطينيين بأنهم «أبناء الظلام»، والإسرائيليين بـ«أبناء النور».
وليس هناك أوضح مما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلى؛ من قصف متواصل واستهداف للأطفال والنساء ومحاولات إسرائيل المستمرة لوقف إدخال جميع المساعدات الإنسانية والوقود لقطاع غزة وإحكام الحصار فى ظل قطع الماء والكهرباء والإنترنت والتجويع وغير ذلك من أدوات لفرض «الكارثة الإنسانية»، فبالنظر إلى ما يحدث فى قطاع غزة، فإن التدمير الذى ألحقه جيش الاحتلال، خاصة فى البنية التحتية المدنية، نجد أنه وفقاً لسياسة ممنهجة هدفها نشر الخراب لتحقيق «نبوءة إشعياء» بالمفهوم الصهيونى.
3- الصمود
رغم كل آليات الحرب الإسرائيلية، والخطة الممنهجة للقضاء على حركة حماس وتهجير الفلسطينيين خارج القطاع، لتحقيق «النبوءة الصهيونية»، وقف صمود الأشقاء فى غزة أمام تلك الخطط. فالفلسطينيون منذ اليوم الأول للحرب تماشوا مع الرؤية المصرية التى أكدت أن عملية التهجير تصفية للقضية الفلسطينية، ويتحمل الشعب الفلسطينى كل أشكال المعاناة، رافضاً ترك أرضه للمحتل، ليستمر فى المقاومة والصمود، وإفساد «النبوءة المُحرفة» عن سياقها وإطارها التاريخى والدينى.
كما أنه رغم كل محاولات الاحتلال لتشديد الحصار على القطاع، فإن مصر عملت منذ بداية الحرب على إنفاذ المساعدات الإنسانية والوقود بأحجام ضخمة، وبتنظيم أشاد به القاصى والدانى، لتقليل حجم الكارثة الإنسانية وإفساد أى مخطط صهيونى لفرض أمر واقع، وتحويل القطاع إلى بقعة خربة على «حدود إسرائيل المزعومة» لتحقيق نبوءة حُرفت فى التوراة (العهد القديم).