بسم الله الرحمن الرحيم
«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً.. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً».
صدق الله العظيم
تصلح هذه الآية القرآنية كى تكون مدخلاً لفهم الكثير من ظواهر التاريخ.. جماعات أو طوائف أو قادة أو أفراد ممن أضاعت أعمالهم الفاسدة نواياهم ولو كانت حَسنة، وصار عليهم وليس لهم، ولو كانوا أهل حق! بشىء من القياس، ينزل الحشاشون هذه المنزلة.
ولعل أفضل ما يميز مسلسل «الحشاشين»، بخلاف إنتاجه الضخم ومستواه الفنى المرموق، هو هذا التناول الموضوعى والدقيق الذى صاغه بإحكام شديد الكاتب الكبير الأستاذ عبدالرحيم كمال، فلم يُظهرهم شياطين، ولم يُظهرهم ملائكة، بل أظهرهم بما كانوا عليه. وليس المطلوب من المسلسل أن يدفعك للتعاطف أو يقودك لمزيد من الكراهية. يكفيه أن يحفزك على التفكير ويدعوك للتأمل ويساعدك على فهم دروس التاريخ جيداً.. من «حشاشين» فى الماضى، إلى «حشاشين» اليوم.
بداية طائفة الحشاشين تعود إلى نهايات القرن الخامس الهجرى، حين توفى الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، وترك ولديه الأكبر «نزار» والأصغر «أحمد»، فانقسم الإسماعيليون - إلى جماعتين متصارعتين، الأولى «النزارية» بقيادة حسن الصباح، مؤسس الطائفة، والثانية «المستعلية» نسبة إلى «أحمد» الابن الأصغر الذى ستؤول له الخلافة ويُسمى بـ«المستعلى بالله».
رأى حسن الصباح ومَن معه أن «نزار» الأحق بالإمامة، بل إن والده الخليفة الراحل كان قد ولّاه من بعده، وليس ما فعله الوزير الجمالى لصالح الابن الأصغر إلا محاولة انقلاب غير مشروعة للقفز على الحكم وحرمان الابن الأكبر من حقه الشرعى.
هنا كانت البداية الحقيقية.. خلافٌ على الحكم غير جديد فى تاريخنا سيفتح الباب أمام سلسلة من الدماء لن تتوقف. عندما تغيب السياسة تحضر السيوف، وعندما لا يُحسن إدارة الخلافات تندلع النيران، وعندما تتسع الهوة بين الأطراف تنشب العواصف، ويصبح كل شخص عرضة لخسارة كل شىء، فينهزم الجميع. حدث ذلك قبل الحشاشين وبعدهم. حدث ذلك بين الشيعة والسُّنة، وبين الشيعة والشيعة، وبين السُّنة والسُّنة. حدث ذلك هنا.. وحدث هناك.. غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً!
اعتقد حسن الصباح أنه يُحسن عملاً. خصومه أيضاً كانوا يعتقدون ذلك. بل يتشابه فى هذا الاعتقاد كل المجرمين العظام على مدار التاريخ من كل العقائد وكل الفرق. مؤسس طائفة الحشاشين مجرد أحدهم.
يقول المثل الفرنسى: غير المتوقع يحدث دائماً! المنحدر الضيق، والقمة العالية، والبروج المحصنة، لم تمنع من الوصول إلى حسن الصباح ومَن معه فى آخر الطريق!
كان مؤسس طائفة الحشاشين صاحب عقيدة راسخة، وأتباعه أيضاً المستعدون للموت بأمر منه. لكن سلامة العقيدة أولى من رسوخها، فبعض العقائد الراسخة فاسدة، تقود أصحابها، وتقود العالم، إلى شرور وأهوال.
عقيدة تنظيم الإخوان الإرهابى قد تكون راسخة، عقيدة تنظيم القاعدة الإرهابى قد تكون راسخة، عقيدة تنظيم داعش الإرهابى قد تكون راسخة، لكن كل هذه العقائد غير سليمة!
درس حسن الصباح هو درسنا اليوم، وفهمه وفهم طائفته هو فهم للعالم الذى حولنا الآن بكل ما فيه من جماعات وطوائف وأئمة قد يكونون جميعاً «حشاشين»، وإن اختلفت أسماؤهم!