لا اعتقد ان ذلك الاعلان الذي يستخدم احدي اغنيات الراحل عبد الحليم حافظ بتوزيع مختلف لم يترك احداً في هذا الوطن دون شعور قاس بالاستفزاز بل و ربما الغضب .. فالاعلان يستخدم الاغنية بشكل مبتذل للغاية .. و المطربة التي تغني فيه تفتقد لكل مقومات الطرب او حتي الغناء العادي الذي يؤديه مطربي الاعلانات ..!
لم أفهم من البداية فكرة الإعلان «السخيفة شكلاً وموضوعاً» بكل تأكيد.. كما لم أستوعب من قبل، ومعى كثيرون، العلاقة بين أن يعلن احدهم عن منتجع سياحي مستخدماً اغنية تعد من التراث المصري الأصيل .. و يتلاعب باللحن والتوزيع لدرجة تجعل الجميع مستاء الي هذه الدرجة ..!
الإعلان أثار حفيظة ورثة الفنان عبد الحليم حافظ للدرجة التي جعلتهم يلجأون للقضاء لوقف عرض الاعلان .. وعلي الرغم من تلك الاخبار التي انتشرت عن حصولهم علي حكم بوقف عرض الاعلان الا انه للاسف مازال يعرض و بكثافة ربما اكثر من ايام عرضه الاولي ..!
تقريباً لم يعد يمر موسم رمضانى واحد إلا ويتم وقف عرض أحد الإعلانات بسبب تجاوزه بشكل ما.. اذكر منذ بضعة اعوام ذلك الاعلان الذي يظهر فيه طبيب و ممرضة يتنمرون علي مريض بسبب ملابسه الداخلية .. بل و ينصحونه بارتداء نوع معين من تلك الملابس للحفاظ علي صحته ..!!
في الاغلب يتعلق الامر بخلل واضح فى أفكار الإعلان داخل شركات الدعاية نفسها.. فما يفترض المعلن أنه فكرة «لطيفة» أو جديدة ستجذب المشاهد تجد أنها سخيفة للغاية.. بالإضافة إلى تجاوزها فى حق فصيل أو فئة.. أو تخطيها لأعراف وتقاليد المجتمع..او حتي السطو علي حقوق الملكية الفكرية كما هو الحال هذه المرة ..!
الإعلان المزمع ايقافه سخيف بالفعل.. لم أجد فيه عامل جذب واحد سوى لزوجته المفرطة.. ولا أعتقد أنه كان سيؤثر على مبيعات المنتجع بشكل إيجابى قط.. فضلاً عن أنه لم يتمكن من أن ينتزع ابتسامة واحدة منى أثناء مشاهدته!
تبقى مسألة الإعلان الناجح مسألة قديمة بلا إجابة على الرغم من الأموال التى صُرفت وعدد الساعات التى قضاها المختصون فى الدراسة لمعرفة ذلك.. فقط اتفق الجميع على أن البساطة والمشاركة مع المستهلك والحس الفكاهى هى أفضل عوامل يمكن أن تخرج لنا إعلاناً ناجحاً مفيداً للعلامة التجارية.. وهو ما لم أجده فى معظم الإعلانات فى السنوات الأخيرة مهما بلغ حجم التكلفة.. اللهم إلا فى قليل منها..!
تكرار التجاوز فى الإعلانات بشكل شبه دورى كل عام ربما يجعلنا نفكر فى آلية لمحاسبة أصحاب تلك النوعية من المحتوى الإعلانى.. فلا أعتقد أن وقف عرض الإعلان وحده قد بات يكفى.. فعقوبات مثل حرمان المعلن من الإعلان عن علامته التجارية لمدة زمنية محددة ربما يكون عقاباً مناسباً.. أو حتى توقيع غرامة محددة بقيمة صناعة الإعلان نفسه يتم سدادها لصندوق «تحيا مصر» أو «حياة كريمة» تبدو عقوبة أكثر فاعلية..!
إن حرية الإبداع ينبغى ألا تتقاطع مع تقاليد المجتمع او تتجاوز حقوق الملكية او تستخدم التراث دون محاسبة .. والإساءة لأى فصيل أو فئة او التلاعب بحقوق الاخرين لا ينبغى أن تمر مرور الكرام.. فضلاً عن أن التجاوز في حق التراث بمعزل عن حقوق الملكية الفكرية وحدها تتطلب عقوبة مغلظة.. أو هكذا أعتقد!