ليلة غيّرت رأي توفيق الحكيم في ابنه «إسماعيل».. رفض الهندسة من أجل الموسيقى
إسماعيل الحكيم
شهد عام 1968 إنشاء واحدة من أهم الفرق الموسيقية في الوطن العربي، أسسها الموسيقي الراحل إسماعيل الحكيم، ابن الكاتب والأديب العالمي توفيق الحكيم، إذ تفاجأ الجميع بإعلان صغير في الجرائد والمجلات، يدعو الناس لقضاء ليلة رائعة على أنغام فرقة جديدة تحمل اسمًا أجنبيًا هو «black coats»، بفندق شهير بالإسكندرية بسعر 500 قرش، لتتحول هذه الليلة إلى بداية كبيرة للفرقة التي حاربها توفيق الحكيم، إذ أراد أنّ يكون نجله مهندسًا.
فرقة «البلاك كوتس» لـ إسماعيل الحكيم
بعد 10 سنوات من تأسيس فرقة «البلاك كوتس»، جلس إسماعيل الحكيم بجسده النحيل وشعره القصير والإرهاق الواضح على ملامحه، في إحدى الصالات المخصصة لفرقته، منحنياً على الجيتار وإلى جواره بعض الآلات الموسيقية، يصلح أجهزته تارة ويتعامل بأنامله برقة مع جيتاره تارة أخرى، استعداداً للعزف أمام والده الأديب توفيق الحكيم، بعدما كسَّر جيتاره الأول تحت أقدام الراقصين قبل 6 سنوات وحين سأله مُعد الحوار الذي نُشر في مجلة «صباح الخير» في العدد الصادر يوم الخميس 13 يناير عام 1977: هل تنوي تحطيم الجيتار هذه الليلة؟، فرد: «لا، إنه طفلي الصغير، لا أستطيع أنّ أحطمه.. إنه أغلى وأحسن جيتار في العالم.. جيتاري القديم كان رديئًا جدًا وعاجزًا عن السير بنفس إيقاع إحساسي والنتيجة أنني حطمته في لحظة انفعال».
حب إسماعيل الحكيم للموسيقى
لم يتخلَّ إسماعيل الحكيم عن حبه للموسيقى، بل تدرب كثيراً وتطور خلال الـ10 سنوات الأولى بعد إنشاء فرقته الموسيقية وفق حواره: «البلاك كوتس لم تكن بالنسبة لي فرقة موسيقية، بل علمتني حب الموسيقى أكثر.. تغيرت كثيرًا على كل المستويات لكنَّ هناك شيئاً واحداً لم يتغير داخلي وهو حبي للموسيقى لا أستطيع التفكير ولا الأكل ولا حتى الراحة إلا من خلال الموسيقى، فهي تنعكس على أي فن أراه وكل شيء في حياتي، حبي، علاقاتي، أصدقائي وعائلتي، مَن يقف بجواري لا بد أن يقف على نفس الأرض ويسير بنفس الإيقاع، لذلك فصداقاتي وعلاقاتي قليلة، لأن لا أحد يستطيع تحمل سماع الموسيقى 24 ساعة».
كان «إسماعيل» محباً لفرقته متقيناً أنها ستجذب الشباب نحو الموسيقى، كان يرى أن أي فن لا بد أن يكون عن طريق الموسيقى: «كل محاولات الفنانين التشكيليين هى تحويل اللحن الموسيقي إلى لوحة أو تمثال، بيكاسو في جميع مراحله يذكرني بموسيقى الجاز الأمريكي الساخن بنغماته المتنافرة المدروسة بعناية، وفرقتي حققت نجاحاً في بداية السبعينات، لكن انتشار الأغاني الشرقية مع الرقص أشعرني باليأس وبأنه لا أمل في أي شيء، وبأنني شخص لا أفهم في الفن ولا المزيكا، لكنها أزمة كل فنان، لكن فرقتي استطاعت أنّ تواكب ذلك الفن، فقدمنا الموسيقى الراقصة وتعاونَّا مع وجوه جديدة، إننا نتطور ونغير في أساليبنا الذي لا يستطيع اللحاق بنا يستمر الذي يتأخر ينفصل عنا».
ليلة عزف فيها إسماعيل الحكيم الموسيقى
في إحدى الليالق أراد عمر الشريف أن يأخذ توفيق الحكيم إلى حيث يعزف ابنه إسماعيل الحكيم، وبالفعل دخل الاثنان إلى مكان العرض، إذ وقف «إسماعيل» أمام والده عازفاً للموسيقى، ليميل عمر الشريف رأسه على توفيق الحكيم قائلاً: «ابنك عازف ماهر سأتبناه»، ليرد «توفيق» ساخراً: «آه، اتبنَّاه واصرف عليه كمان».
جرى حوار ساخن بين «الحكيم» الأب والابن بعد انتهائه من عزف المقطوعة الموسيقية الأولى، إذ سأله أحد الحاضرين متى تستأنف العزف، ليرد «توفيق» بعدما لمح عروسًا وسط الحاضرين قائلاً: «هيغنوا تاني أصل النهارده فيه فرح فزودوا البروجرام»، ليرد إسماعيل: «لا ده كل يوم كده»، ليتساءل والده: «إذا كانت الراقصة بترقص نص ساعة والفرقة نص ساعة أمال إنتوا بتعزفوا إمتى؟»، ليجيبه ابنه بابتسامة رقيقة قائلاً: «بنعزف وبنوصّل هدفنا ورسالتنا» لينتهي الحوار مع بدء المقطوعة الموسيقية وسط انبهار توفيق الحكيم وعمر الشريف، لتتغير علاقة الأب بالابن.