لا أذكر السبب الذى جعلنى أذهب إلى منطقة التوفيقية فى هذا اليوم تحديداً.. فى الأغلب هو أمر يتعلق بسيارتى القديمة التى كانت تحتاج قطع غيار متعدّدة طوال الوقت.. ولكنها كانت المرة الأولى التى ألاحظ فيها تلك اليافطة القديمة على إحدى البنايات.. والتى تشير إلى جمعية أهلية باسم «رابطة أبناء سوهاج»، بينما تخبرنا السطور الصغيرة تحتها برقم التسجيل والإشهار الخاص بالجمعية.
كانت المرة الأولى التى أعرف بوجود تلك الجمعية.. لم يخلُ الأمر من طرافة دفعتنى إلى الابتسام.. فعبر سنوات عمرى لم أتمكن من حصر عدد الذين قابلتهم فى محيط الأصدقاء والعمل من أبناء سوهاج تحديداً.. فالعدد أكبر من الحصر بكل تأكيد.. بل إننى أثق أن أحداً لا يملك فى محيط معارفه من ينتمى إلى هذه المحافظة الصعيدية الهادئة.
بعدها اكتشفت الكثير من الروابط والجمعيات التى تعبّر عن أبناء مدينة أو محافظة ما.. معظمها يندرج تحت مسمى الجمعيات الأهلية وتخضع لإشراف وزارة التضامن الاجتماعى.. وتقوم بتقديم العون لأبناء المحافظة.. وأنشطة اجتماعية أخرى متعدّدة تتعلق بتنمية محافظتهم.
تذكرت كل ذلك وأنا أتابع بسعادة كبيرة فعاليات تدشين اتحاد القبائل العربية الذى تم الإعلان عنه منذ أيام.. فهى المرة الأولى تقريباً التى نرى فيها سيناء داخل النسيج الوطنى المصرى لهذه الدرجة.. ونرى أبناءها يشاركون الجميع فى فعالياتهم وشئونهم.. بل وأسعدنى أكثر الإعلان عن إنشاء مدينة باسم الرئيس السيسى فى سيناء.. الأمر يحمل درجة كبيرة من الامتنان للرجل الذى كان له الفضل فى استعادة هذا الإقليم من براثن الإرهاب خلال الأعوام السابقة.
ولكم ابتهجت لذلك الهجوم الضارى الذى انتهجه الإعلام المعادى ضد فعالية تأسيس ذلك الاتحاد.. فالأمر أثار جنونهم للدرجة التى جعلتنى أثق أنه ضربة قوية لما يرتّبونه على الأرض.. ولمعظم خططهم المستقبلية تجاه سيناء.. تلك البقعة الحبيبة من أرض الوطن، والتى لم تخلُ صفحة من صفحات التاريخ من محاولة لاحتلالها أو السيطرة عليها، أو على الأقل عزلها عن الدولة المصرية.
الطريف أن البعض يتحدّث عن الكيان الجديد وكأنه عزل للإقليم داخل الدولة.. بينما تملأ روابط أبناء المحافظات مصر كلها منذ سنوات طويلة.. الأمر الذى يجعلنا نُدرك أن الهجوم والنقد سببه الرئيسى ليس فكرة الرابطة أو الكيان بقدر ما يتعلق بسيناء نفسها.. وأن الهجوم سببه عدم رغبتهم فى وجود أبناء سيناء ضمن النسيج الوطنى بأى ثمن.
أمر طبيعى أن ينشأ الكيان لتوحيد القبائل.. طبيعة الإقليم الجغرافية والاجتماعية تجعل الوحدة البنائية للمجتمع هى القبيلة وليس الأسرة أو المدينة، كما هو الحال فى باقى محافظات الجمهورية.. وظهور كيان واحد يضم هذه القبائل هو أمر محمود بكل تأكيد.. إن طبيعة سيناء الجغرافية وموقعها الاستراتيجى جعلها مطمعاً للجميع.. وما تم الترتيب له بشأنها عبر عقود سابقة جعل وجود كيان يجمع أبناءها أمراً شديد الأهمية فى رأيى.. بل ربما لا يمكن فصله عن جهود التنمية التى تتم بها فى الأعوام الأخيرة.
لقد حملت قبائل سيناء على عاتقها مسئولية الحفاظ على هذا الجزء العزيز من الوطن عبر عقود طويلة.. ووقفت فى وجه الاحتلال الإسرائيلى قديماً.. وبجوار الجيش المصرى والشرطة المدنية فى وجه الإرهاب حديثاً.. الأمر الذى يجعل الكيان الوليد أمراً شديد الأهمية.بقى أن نتقدّم بالتهنئة لأهل سيناء بمولد كيانهم الجديد.. وننتظر منه أن يكبر وينمو.. ويسهم فى تنمية الإقليم، بالتعاون مع أجهزة الدولة.. فسيناء تستحق.. أو هكذا أعتقد.