لا تندهش من العنوان، ليس هو الصادم فى كل ما يحدث حولنا، فما تفعله مصر ليل نهار على مدار 75 عاماً هو عمر القضية، لإنقاذ فلسطين والفلسطينيين، وتغيير الواقع أو تجميل مفرداته.. ما تضعه مصر من حلول منطقية وواقعية وإنسانية عجز العالم عن إيجاد غيرها يحقق مصلحة كل الأطراف.. ما تفعله مصر وهى تعلى من صوت الحكمة.. من صوت العقل.. وهى ترد على الأفعال الصبيانية والمواقف المراهقة، كل هذا تحول فى يوم وليلة إلى عكسه، ارتدى ثوب الغرض فى عيون تدعى الممارسة المهنية والحيادية والموضوعية، تنال تحت عنوان مضلل اسمه «حرية الرأى» من حقائق، تغيرها وتبدلها، تعلى الأكاذيب وتصيغها باحترافية، وتضع قوانين جديدة للصحافة حول العالم، وبالأحرى تخص نفسها بمدرسة جديدة تنافى ماضيها العريق، لتصبح تقارير «CNN» هى النصل الذى يهدد عنق الحقيقة.هل توجد حقيقة؟.. السؤال يطرح نفسه، فى عالم السياسة لن تعرف الحقيقة أبداً، فى عالم الصراع من يسقط صريعاً فى حرب غير من يسقط شهيداً فى أرضه، فى عالم الصحافة لا تتحدث إلا بما رأيته أو لمسته أو ملكت عليه دليلاً وقرينة.. وفى عالم التحليل، إذا امتلكت الأدوات صار لك أحقية التنبؤ ووضع السيناريوهات، على أن تصف ما تخطه صحيفتك بعنوان واضح، كأن تقول هذا التحليل يكتبه فلان.استيقظ المصريون اليوم على انتصار عظيم، النرويج وأيرلندا وإسبانيا تنضم إلى مربع الشرفاء، تعلن اعترافها بدولة فلسطين بعد عقود من الإنكار، أكان لا بد أن يسقط كل هؤلاء الشهداء وأن يكشف «نتنياهو» عن وجهه القبيح حتى ينحاز العالم إلى صف أصحاب الحق؟.. وفى المقابل تقرير أصفر -هكذا نصف الصحافة الملونة فى مصر- والمصطلح لا ينسحب على الصحف لكن على ممارساتها وانحيازاتها ضد المنطق.. ضد لغة العقل، ينسب التقرير لمصر «أنها التى أفسدت الهدنة بين إسرائيل وفلسطين، وغيرت فى بنود الاتفاق بما يحقق مصالحها فى استمرار الصراع».. نعم العبارة السابقة تلخص سيلاً من الاتهامات الكاذبة التى تندرج تحت بند الخيال العلمى، وتفتقد مهارة الإخراج والتكييف، وتؤكد تراخى وتراجع آلة إسرائيل وأمريكا الإعلامية فى توجيه الضربات وملاحقة الخصوم التاريخيين.مأزق حقيقى يقع فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى يواجه شعبه لأول مرة بفشله الكارثى فى تحقيق وعوده، فلا سيطر على «حماس»، ولا قدم قياداتها للمحاكمة ولا أعاد المحتجزين من الإسرائيليين ولا حتى يملك معلومة واضحة عن جثامين بعضهم.. فقط يواصل التعامل الوحشى مع الفلسطينيين ومحاصرتهم إنسانياً وعسكرياً ويزيد من وطأة جرائمه فى الليلة التى تعلن فيها إيران اختفاء طائرة الرئيس ووزير الخارجية قبل يوم من إعلان وفاة كل من كان على الطائرة، وكأن «نتنياهو» يستعرض قوته ويقول بالحبر السرى: «هذه طبولى وبشائرى»، يقولها لشعبه الذى قرر مواجهة أكاذيبه ومنحه فرصة بقاء أخيرة فى منصبه، يعلم «نتنياهو» أن الخروج من المنصب معناه المحاكمة داخل إسرائيل، والمحاكمة أيضاً خارج إسرائيل إذا ما واصلت محكمة العدل الدولية قراراتها الجريئة لإنهاء عبث «نتنياهو» ورفاقه فى العالم كله.كل ما سبق مجرد قراءة فى السبب الذى يقف واضحاً وراء التقرير المعيب الذى تواصل فيه «CNN» ملحمة سقوطها المهنى، حتى لم يتكبدوا عناء محاولة إخفائه أو تخفيف حدته، جاء مباشراً بشفرة سهلة، أصبح للملايين حول العالم قدرة على قراءتها بعد أن كشفوا اللعبة، لعبة كرسيين، أحدهما فى البيت الأبيض، والثانى فى قلب إسرائيل، يتصارع عليهما رجلان، فقدا الحكمة والعقل، فقدا الشرف والأخلاق، أبقتهما مصلحتهما المشتركة على تواصل، سقوط أحدهما سيسقط الآخر، وبقاء أحدهما سيحمى بقاء الآخر، كلاهما ينظر لمصر بعين الغرض، كلاهما يقف لمصر بالمرصاد، كلاهما يدعى على مصر بوضوح تارة وباستتار تارة أخرى، وكلاهما لن ينال من مصر إلا مواقف واضحة، اتخذتها على مدار الأيام الماضية، منذ تجرأ الإسرائيليون على رفح الفلسطينية، بأن انضمت مصر للدعوى المقامة من جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وشرطت دخول المساعدات لفلسطين بأن يتسلمها على المعبر السلطة الفلسطينية وليس قوات الاحتلال.. تفعل مصر هذا وستواصل الفعل فى اتجاه مبادئها التى لا يعرفها نتنياهو -فى إطار إنكاره للمبادئ من الأساس- فمصر ليست وسيطاً فى الهدنة لكنها شريك، وحجر زاوية فى كل اتفاق سياسى يحقق السلام للمنطقة.الخلاصة: هل يدرك «نتنياهو» الآن أنه حتى فى محاولته البائسة اليائسة الكاذبة الفاشلة للخلاص أمام شعبه استعان بـ«مصر»، ولو من باب «رمى البلاء»؟