منذ سنوات طويلة ونحن نكتب بلا انقطاع عن مشكلات السينما المصرية، خاصة تلك المزمنة الساكنة، التى تبدو وكأنها قدر لا فكاك منه ولا أمل فى إصلاحه مهما جرت السنون وتبدلت السنن.
ومن تلك المشكلات التى نالت النصيب الأكبر من الشكوى والمناشدة والأنين أحياناً ما يتعلق بتراث السينما المصرية من أفلام ووثائق تتعرض للتلف والضياع والبيع خارج مصر، خاصة الأفلام التى لا يمكن تعويض تحلل وفقد واحد منها بأموال العالم.
ومن المشكلات المزمنة أيضاً أن مصر بتاريخها ومعالمها وإمكانياتها يمكن أن تكون موقعاً لتصوير أى فيلم من أى نوع فنى على وجه الأرض، ومع ذلك تطرد وتنفر صناع الأفلام القادمين للتصوير على أراضيها، حتى لو كان فيلماً يتغنى بتراثها وحضارتها وحاضرها!
من صميم عملنا أن نلاحظ مواطن الخلل والنقص، وأن ننقد الوضع القائم، يدفعنا إلى ذلك غيرتنا على بلدنا وانتماؤنا له، ومن صميم عمل آخرين أن يبرزوا مواطن الجمال والعظمة، وبين الطرفين يقع التوازن الذى تعتمد عليه نهضة الشعوب: إدراك مكامن التميز التى تمنح الثقة بالنفس، وفى الوقت نفسه النقد الذاتى المستمر من أجل الإصلاح والتطوير.
لماذا أكتب ذلك الآن؟ لأننى خلال الفترة الماضية لاحظت وجود إنجازات تتحقق فى ملف السينما لا يعلم عنها الكثيرون، وكثير منها يتحقق دون إعلان أو إعلام، بالرغم من أهمية هذه الإنجازات وأهمية أن يعرفها ويلمس تأثيرها الناس، خاصة هؤلاء المعنيين بالسينما ومحبيها وكل الحريصين على تراث وعلو شأن هذا البلد.
ومن المدهش أن هذه الإنجازات تتعلق بالمشكلتين المزمنتين السابقتين: إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أفلام لم تزل صالحة للترميم والرقمنة، وفتح المجال أمام صناع الأفلام من أنحاء العالم للتصوير فى مصر دون معوقات!
فى ملف إنقاذ الأفلام المصرية من التلف والضياع جرى خلال الأعوام القليلة الماضية ترميم ورقمنة عشرات الأفلام، ببطء ودون انتظام فى البداية، ولكن بتسارع وانتظام متزايد. بدأت «روتانا» العمل على ذلك بشراء معدات لغسل ورقمنة عشرات النسخ السالبة (النيجاتيف) من الأفلام التى تملكها، ثم لحقت بها مدينة الإنتاج الإعلامى بالحصول على أجهزة أحدث، لم تعلن عنها بشكل كافٍ فى البداية، ولكنها سرعان ما أصبحت مقصداً لعدد من المؤسسات والمهرجانات، ومن ضمن ما تم ترميمه الجريدة السينمائية والأفلام التى أنتجتها الهيئة العامة للاستعلامات، وعدد من الأفلام الوثائقية التى أنتجها المركز القومى للسينما، ثم عدد كبير من الأفلام الروائية التى يملك حقوقها أفراد أو الشركة القابضة للسينما، التى أفاقت مؤخراً وبدأت فى ترميم بعض أفلامها، مقابل ديون مستحقة لها لدى مدينة الإنتاج الإعلامى. وجدير بالذكر هنا أن الأمر يحتاج إلى مؤسسة لديها ميزانية حتى يمكن ترميم بقية الأفلام التى تملكها الدولة أو لم يعد لها صاحب يسأل عنها.
جدير بالذكر أيضاً أن أجهزة المدينة تحتاج أيضاً إلى مزيد من التحديث والمهارات البشرية حتى يخرج الترميم والرقمنة بأفضل شكل ممكن، ذلك أن بعض النسخ السالبة بحالة سيئة جداً وتحتاج لترميم كيميائى قبل تحويلها إلى نسخ رقمية، كما أن معالجة تصحيح عيوب وألوان النسخة التى تمت رقمنتها قد تحتاج أحياناً إلى خبراء فى التصوير وغيره.
المهم أنه كلما أعلنت مؤسسة أو مهرجان أو فرد (مثلما يفعل سامح فتحى الذى يشترى حقوق عرض كثير من الأفلام لتحويلها إلى نسخ رقمية «بلوراى» و«دى فى دى»، ويطبعها فى الخارج بترجمات إلى الإنجليزية والفرنسية) عن ترميم ورقمنة فيلم قديم، فإن ذلك يسعد الملايين من عشاق السينما، خاصة عندما يكون الفيلم هو أحد كلاسيكيات السينما المصرية التى نسى الناس درجة جودتها من كثرة النسخ الرديئة التى تعرض بها هذه الأفلام على الفضائيات والإنترنت.
.. ونكمل غداً!