لا يعلم الكثيرون أن هناك أفلاماً مصرية يجرى ترميمها ورقمنتها كل يوم، وهذه العملية تعنى استخراج النسخة النيجاتيف الأصلية للفيلم ومعالجتها من العيوب التى قد تكون قد لحقت بها، ثم نقلها وتحويلها إلى نسخ رقمية صالحة للبقاء لقرون، ويمكن استنساخها إلى ما لا نهاية دون أن تتأثر جودتها، على عكس الشرائط «التناظرية» القديمة، سواء كانت «بوزيتيف» أو «نيجاتيف» التى لها عمر افتراضى وتقل جودتها مع الزمن وكلما تم نقلها من شريط إلى شريط آخر.
الذين حظوا بفرصة مشاهدة النسخ المرمَّمة من «المومياء» أو أعمال يوسف شاهين أو خيرى بشارة أو على بدرخان أو غيرها يعرفون ليس فقط قيمة أن يتم إنقاذ هذه الكلاسيكيات من التحلل والتلف، ولكنهم جربوا أيضاً متعة مشاهدة هذه الأفلام فى نسخ جيدة وفائقة الجودة أحياناً يبدو معها الفيلم وكأنه عمل مختلف تماماً عن النسخ الرديئة المتهالكة التى تُعرض على الفضائيات والإنترنت.
وخلال الأسابيع القادمة ربما يرى المشاهدون أعمالاً جديدة مثل «الزوجة الثانية» و«الشحات» و«بداية ونهاية» و«الفتوة» وغيرها، وكل فيلم يتم إنقاذه هو مكسب كبير وكأنه إعلان مولد جديد للفيلم، ونتمنى أن يأتى يوم قريب لا يوجد فيه أى عمل طريح ثلاجة النيجاتيف ينتظر إعلان موته.
بالطبع، كما ذكرت فى مقال الأمس، لم يزل الأمر يحتاج إلى ميزانية كبيرة لسرعة إنجاز آلاف «المهام» المتأخرة، كما يحتاج إلى مزيد من التطوير التقنى للآلات والفنيين العاملين فى مجال الترميم، وهو أمر يطول شرحه، وقد لا يعنى القارئ كثيراً، ولكن هناك تفاصيل شديدة الدقة وتقنيات «كيميائية» و«رقمية» تتطور باستمرار.
من ناحية ثانية هل سمعت عن كيان اسمه Film Commission أى «مفوضية الفيلم»، أو اللجنة التى تقوم بتقديم الخدمات والتسهيلات لصُناع الأفلام؟
فى معظم بلاد العالم توجد أشكال من هذه المفوضية التى تضم ممثلين عن الجهات المسئولة فى الدولة لتقديم التسهيلات المطلوبة لصُناع الأفلام، الأجانب غالباً، الذين يريدون صنع أو تصوير بعض مشاهد أفلامهم فى هذا البلد.
وقد نادينا على مدار عقود، أذكر أن أول مقال كتبته عن المشاكل التى تواجه تصوير الأفلام الأجنبية فى مصر كان عن فيلم «المريض الإنجليزى» فى 1993، حيث كان مقرراً أن يجرى تصويره فى مصر، ولكن بسبب المعوقات ذهب صُناعه إلى المغرب.
ووقتها لم تكن المغرب قد تحولت إلى مقصد لتصوير الأفلام العالمية كما أصبحت لاحقاً، وفيما راحت المغرب، ثم دبى والأردن والسعودية، تواصل تقديم نفسها كمقاصد نموذجية لصناعة العديد من الأعمال التاريخية والسياسية وحتى الخيالية (مثل Star Wars وDune) تراجعت مصر على خريطة الأماكن التى يقصدها صُناع الأفلام حتى وصلت إلى درجة الصفر تقريباً (باستثناء بعض البرامج الوثائقية عن مصر الفرعونية!).
كل ذلك تغير الآن، ومنذ نحو عام ونصف العام هناك إنجازات هائلة تحققت.. هى موضوع المقال القادم بإذن الله!