تأسست «مفوضية الفيلم» أو الـFilm Commission في مصر منذ حوالي عامين، وقد عملت، في صمت، خلال هذه الفترة على استقبال ودعوة عشرات من الشركات العالمية وصناع الأفلام لتصوير أفلامهم في مصر. وتتكون اللجنة من ممثلين لكل الجهات التى يمكن أن تكون متداخلة في عمليات تصوير الأفلام، بداية من الأجهزة الأمنية والرقابية، وزارات الداخلية والآثار والسياحة وهيئة الجمارك، وغيرها.
والفكرة، لمن لا يعلم، هي توحيد واختصار الجهات التى يتواصل معها صناع الأفلام، بحيث تصبح جهة، أو شباكاً واحداً، وأعتقد أن الكل يعلم كم هي مضيعة للجهد والعمر تعدد وتضارب «شبابيك» قضاء المصلحة العامة في مصر، ولعل من أفضل الأشياء التى حدثت في البلد بشكل عام خلال الفترة الماضية هو اختصار كثير من «المصالح العامة» في شباك واحد!
بالنسبة لمفوضية الفيلم يتقدم صانع الفيلم المراد تصويره في مصر بالعرض وسيناريو الفيلم، ويتم الرد عليه بالموافقة أو الرفض خلال أيام معدودة، وحتى الآن، كما عرفت من المسئولين في المفوضية، لم يجر رفض فيلم واحد، وهو ما يؤكد ما كنا نقوله على مدار سنوات أن الخوف من الكاميرات الأجنبية في مصر هواجس وهلاوس تؤدى إلى «تشويه» صورتنا لا تحسينها، ذلك أن رفض الأفلام يدفعهم إلى تصويرها خارج مصر بلا مراعاة للدقة أو احترام ثقافة هذا البلد الذى قابلهم بالفتور والرفض.
وعلى العكس، كما عرفت، فإن صناع الأفلام استقبلوا الملاحظات التي نبه إليها الرقباء في مصر بصدر رحب واستجابوا لها كلها. وهو ما يؤكد أيضاً ما كنا نردده أن أفضل وسيلة لمواجهة أحد يجهل أو يحمل أفكاراً خاطئة عن البلد هي استقباله وإكرامه ومحاولة إفهامه وإقناعه، بل إن ذلك قد يدفعه إلى تغيير سيناريو فيلمه دون أن نطلب منه ذلك.
خلال العامين الماضيين جرى تصوير أكثر من خمسين فيلماً ومسلسلاً في مصر، من مختلف قارات وبلاد العالم، بداية من شركات هوليوود الكبرى وحتى بلاد صغيرة جداً، وتراوحت هذه الأعمال بين الوثائقي والروائي من التاريخي للخيالي للعصري للأكشن، وقد شارك في هذه الأعمال بعض نجوم السينما الأمريكية والهندية. وثمار هذا الجهد قد بدأت تظهر بالفعل، فبعض الأعمال التى صورت في مصر تعرض على منصة «نتفليكس» وغيرها (طبعاً ليس من بينها ذلك المسلسل الحقير المسمى بـ«العهد: قصة موسى» الذي لم يجرؤ صناعه الخبثاء على طلب تصويره في مصر).
بعض هذه الأعمال بدأ أيضاً في النزول إلى دور العرض السينمائي، والبعض الآخر في الطريق، وسوف تسنح لنا فرص أخرى للكتابة تفصيلياً عن بعضها.
الشىء المهم الآخر المتعلق بمفوضية الأفلام هو أنها صارت عضواً في رابطة مفوضيات الأفلام العالمية، حيث تعمل هذه المفوضيات على تبادل الخدمات والخبرة بدلاً من المنافسة السيئة، فالمفوضية في مصر قد تساعد صانع أفلام مصرياً على اختيار البلد الذى يحتاج إلى تصوير بعض المشاهد فيه، بينما تساعد المفوضيات الأجنبية صناع أفلامها على القدوم إلى مصر للتصوير، وهو ما حدث بالفعل خلال الشهور الماضية... وكل ذلك مجرد بداية نتمنى أن تليها خطوات أكبر وأسرع، فمصر يمكن أن تكون مسرحاً لتصوير أي فيلم يخطر ببال أي شخص في العالم، من أفلام ما قبل التاريخ إلى أفلام ما بعد نهاية العالم!