إذا كان حزب الله قد نفى مسئوليته عما حدث فى «مجدل شمس» فمن فعلها إذاً؟، ومن منح إسرائيل الفرصة لتصعد المواجهة مع الحزب باغتيال القيادى فؤاد شكر؟
وإذا كانت إسرائيل قادرة على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى غرفة نومه بمقر إقامته الآمن تحت حراسة الحرس الثورى الإيرانى، فكيف فشلت ومعها هذه القوة الاستخباراتية الرادعة فى الوصول إلى يحيى السنوار المطلوب الأول فى تل أبيب، أو حتى تحرير أكثر من مائة من الرهائن المحتجزين فى غزة منذ أكثر من 300 يوم؟
أسئلة كثيرة تتحول مع الوقت إلى ألغاز يصعب حلها، ولعل أكثرها تعقيداً هو موقف إدارة بايدن من الأزمة المتصاعدة فى الشرق الأوسط، فمنذ أن أغرقنا «طوفان الأقصى» ودفع بالمنطقة إلى الحافة، والإدارة الأمريكية تتأرجح بين الدعم الكامل والمطلق والمذل إلى إسرائيل، تحت شعار «أمن إسرائيل»، وفى مقابل هذا الموقف الثابت، هناك محاولة للتوازن مع ضغوط المجتمع الدولى الرافضة لجرائم جيش الاحتلال وقتل المدنيين فى غزة.
وبسبب ذلك ولأسباب أخرى تاريخية، تنامى صراع بين الرئيس الأمريكى ورئيس الحكومة الإسرائيلية، وخرج إلى العلن ووصل إلى حرب مكتومة بين الرجلين، كان من أبرز جولاتها محاولة بايدن إسقاط حكومة نتنياهو ودعم بينى جانتس منافساً له، إلا أن نتنياهو أجهض ذلك بمناوراته وألاعيبه وأكمل مخططه، واستمرت الحرب فى غزة وبالغ فى تصعيده مع حزب الله، والتحرش المستمر بإيران، حتى حاصرت أزمة الشرق الأوسط بايدن، وكانت فى مقدمة أسباب أضعفته ومهدت الطريق لخروجه من منافسة ترامب فى انتخابات الرئاسة القادمة.
لهذا لم يكن مستغرباً ما كشفت عنه جريدة «الجريدة الكويتية»، مؤكدة، فى انفراد صحفى لها، أن وفداً أمنياً أمريكياً سافر عبر تركيا إلى إيران وبوساطة عمانية لنقل رسالة «تهدئة وتحذير» إلى قادة طهران، لتفادى حرب كبرى يخطط لها نتنياهو بدعم من اللوبى الصهيونى فى أمريكا.
وقالت «الجريدة» إن مصدراً رفيعاً فى المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى قال لها: «إن الوفد الأمريكى أكد للإيرانيين مجدداً أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بعملية اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، وإن الرئيس جو بايدن مستاء جداً من التصرف المنفرد لنتنياهو، وإن الأمريكيين وصلوا إلى خلاصة مفادها أن وجود الأخير بسدة الحكم لا يخدم الأمن والسلام العالميين، بعد أن بات خارج السيطرة».
وأوضح المصدر أن «الوفد ذكر أن إدارة بايدن ترغب فى إجراء تغييرات أساسية، وترسيم معادلات إقليمية جديدة تستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى، قبل انتهاء ولايتها»، ولفت إلى أن «نتنياهو يحاول الهروب إلى الأمام، وافتعال التصعيد بهدف جر المنطقة كلها إلى معركة شاملة».
واستطرد المصدر الإيرانى فى تصريحاته لمراسل «الجريدة» فى طهران، موضحاً ما وصفه بـ«خطة نتنياهو» التى «تستهدف تدمير البنى التحتية» لدول المنطقة، أو ما سمته الجريدة بـ«المحرقة الكبرى» للشرق الأوسط، وأن «هذا سيجبر الجميع على الجلوس إلى مائدة واحدة والقبول بحق إسرائيل فى الوجود والاعتراف بها من الجميع فى مقابل سلام شامل ينعم به كل الأطراف».
وناقش الطرفان، بحسب الجريدة، إمكانية الرد الإيرانى (المنتظر) وفق الشروط الأمريكية، وهو ما يتشابه مع ما جرى فى أبريل الماضى من عملية إيرانية شكلية بتنسيق كامل مع أمريكا.
ويبدو لى أن الباعث على نشر هذا التقرير الصحفى (الموجه) إيرانياً للكشف عن الزيارة الأمريكية، هو تسويق مبررات منطقية لقبول صفقة جديدة للرد الإيرانى بالطريقة الأمريكية بدعوى الحرص على سلامة المنطقة وعدم الانزلاق للفخ الذى نصبه نتنياهو للجميع.
ليحاصرنا تقرير «الجريدة» فى نهاية المقال عند أصعب الألغاز: هل أمريكا القادرة على إيران، وبينهما عداء عظيم، لا تقدر على حليفتها الاستراتيجية المدللة إسرائيل؟، هل هذا أمر يقبله عقل؟.
وختاماً، لا أجد خيراً منها كلمات ذكية حملتها تغريدة للإعلامى السعودى الكبير طارق الحميد نشرها على منصة «إكس» بعد اغتيال هنية، قال فيها: «قُتل فى إيران.. والباقى تفاصيل». أدرك الحميد بخبراته العميقة بالملف الإيرانى وبألاعيب أذرع ما سمى بـ«محور المقاومة» أن طوفاناً من الروايات سيغرق الحادثة فى التفاصيل، لتتوه الحقيقة المخزية لطهران وحلفائها، لقد قُتل هنية فى قلعتهم وتحت حراستهم وحماية أسلحتهم المدججة، جاءته الخيانة من الداخل ليغدر به وهو آمن فى فراشه، ولا نملك له إلا الدعاء بالمغفرة له وللشعب الفلسطينى بالرحمة، ولنا بتجلى الحقائق وحل الألغاز، لعلنا ندرك مصير المنطقة التى حشرنا القدر فى وسطها، تلاطمنا أمواج الصراعات مختطفين إلى مستقبل مجهول.