لا تخطئ عين الناظر إلى هذا المبنى البسيط النظيف المنظم، الذى يسكنه العلم والرأفة والنظام والعدل، أن وراءه حلماً كبيراً، وعقلاً منظماً، وإخلاصاً وصواباً، ومروءة واسعة. وحين يسأل المرء عنه، يُجاب على الفور: «مستشفى الكبد»، وحين يعود ليسأل عمن يملكه، يُجاب: «جمعية رعاية مرضى الكبد بالدقهلية»، التى يرأس مجلس إدارتها د. جمال شيحة، والتى تم إشهارها عام 1997، وتقدّم خدماتها على مستوى الجمهورية، وتطلق منها قوافل طبية لمناطق محرومة من الرعاية الصحية.
فى هذا المستشفى يُعالج الناس مجاناً، خصوصاً الفقراء، وبخدمة مميزة جداً، لا تقل عما هى فى المستشفيات الخاصة ذات النجوم الخمسة، بل بطريقة أكثر أماناً وضماناً، إذ لا يقتصر الأمر على وجود أجهزة طبية حديثة ودقيقة، إنما على البشر المؤهلين الذين يقفون وراء هذه الأجهزة، يوظّفونها ويستخدمونها ويحلّلون نتائجها، ويكتبون التقارير عن كل حالة، ويقدّمونها للمرضى، فيراجعون الأطباء، ليصفوا لهم العلاج.
ينشط هؤلاء الأطباء، إلى جانب طاقم التمريض والموظفين والعمال، كخلية نحل فى أقسام المستشفى الستة، وهى: الاستقبال والعيادات الخارجية، ومناظير الجهاز الهضمى والكبد، والجراحة، والأشعة التشخيصية والتداخلية، ومعامل التحاليل الطبية والأبحاث، ومركز الأبحاث الإكلينيكية، والصيدلية، التى حقّقت جميعاً رقماً معتبراً فى نظر حالات المرضى وعلاجهم.
فدفاتر المستشفى تخبرنا عن حجم العمل الذى يقوم به، والخدمة التى يقدّمها للمرضى، ففى عام 2023 تم إجراء الفحص لـ28754 فرداً، وإجراء تحاليل لـ22750، والأشعة بالموجات الصوتية لـ15617، وأشعة فيبروسكان لـ5779، وأشعة مقطعية لـ3123، وحقن شريانى لأورام الكبد لـ585، ومنظار على الجهاز الهضمى لـ5397، وأشعة (إكس. راى) لـ1262، وعمليات جراحية لـ884، وعملية استئصال مرارة بالمنظار لـ540، وعملية فتق لـ120، وفتق فى الحجاب الحاجز لخمسة أشخاص، وتدبيس معدة لـ129، واستئصال ورم بالكبد لـ23، وورم بالقولون لـ13، وبالبنكرياس لسبعة أشخاص، واستئصال زائدة للعدد نفسه، واستكشاف قنوات مرارية لـ12، وعملية تحويل مسار لعشرة، وتوصيل قنوات مرارية لخمسة، واستكشاف بطن لثمانية، واستئصال طحال لثلاثة، واستئصال ورم بالمعدة لثلاثة أشخاص أيضاً.
فى السجل التعريفى للجمعية تُحَدّد رؤيتها فى أنها: «نسعى لنكون نموذجاً رائداً فى مجال تقديم الرعاية الطبية الشاملة والدقيقة، التى تضع احتياجات المريض نُصب أعينها. كما نسعى لنكون مركزاً عالمياً للأبحاث الطبية، يستخدم أحدث البروتوكولات الطبية العالمية، ويسهم فى تطويرها».
تحاول الجمعية أن تُترجم رؤيتها الطموحة هذه فى الواقع العملى، فقد أنشأت إلى جوار المستشفى معهدين علميين، هما: المعهد التكنولوجى العالى للعلوم الصحية التطبيقية، والمعهد الفنى للتمريض، وكلاهما يمنحان درجة البكالوريوس، ويجذبان طلاب الثانوية العامة بشدة، عبر مكتب التنسيق. ويرفد هذان المعهدان المستشفى نفسه بالمتفوقين فى مجال التحاليل الطبية والتمريض، والبقية تستفيد منها معامل التحاليل والمستشفيات والعيادات فى الدقهلية كلها، وغيرها من محافظات الدلتا، نظراً لأن الخريجين يتلقون تدريساً حقيقياً، ويمرون بامتحانات جادة، كما يتلقون تدريباً عملياً منظماً وعميقاً فى المستشفى الملتصق بهما. والأهم أن المعهد التكنولوجى يجرى أبحاثاً مشتركة مع جامعات أجنبية، حول طرق إبداعية فى اكتشاف أمراض الكبد وعلاجه.
تتلقى الجمعية الحاضنة للمستشفى تبرّعات على حسابات بعدد من البنوك، وكانت التبرعات تكفيها فى ما قبل، لكن فى ظل تراجع القوة الشرائية للجنيه المصرى، مع ثبات حجم التبرعات، لجأ د. جمال شيحة إلى هذين المعهدين، وهما بمصروفات، لتعويض النقص فى التبرعات.
فى الوقت نفسه وفّر المستشفى والجمعية والمعهدان نحو ألف فرصة عمل، وخلقت رواجاً اقتصادياً نسبياً فى المحيط الاجتماعى، لا سيما بمدينة «شربين» وقرية «كفر الدبوسى»، حتى يأتى الطلبة المغتربون باحثين عن سكن وإقامة وتسوق، وكذلك المرضى الذين يقصدون المستشفى من كل مكان على أرض مصر.
إن سجل المستشفى يجعل هدفه أن يكون صرحاً طبياً ذا مكانة عالية، يطبّق أعلى معايير الجودة والتطوير المستمر للخدمات الطبية، عبر استخدام أحدث الأجهزة فى تشخيص أمراض الكبد والجهاز الهضمى وعلاجهما، والانتقال من العلاج الاعتيادى إلى زراعة الكبد عما قريب، وبذا ستكون أول جمعية تدخل هذا المجال.
لا يملك من يزور هذا المستشفى المتطور، وهو يقارن وضعه بأوضاع المستشفيات الحكومية والتأمين الصحى وحال الصحة فى مصر عموماً، سوى أن يتمنى، لو أن الجمعية أتيح لها، من خلال التبرّعات وعائد المعاهد العلمية كتلك الموجودة فى «شربين»، أن تُكرر هذه التجربة الناجحة فى كل مدينة مصرية، من أسوان إلى دمياط، ومن سيدى برانى إلى رفح، ومن حلايب إلى هضبة الجلف الكبير.
فى الختام، كم أسعدنى أن أسمع من «د. جمال» قوله: «المرضى وأهلهم يحرصون على نظافة المستشفى وترتيبه وسلامة أثاثه، إنهم يتعاملون برفق ونظام، لأنهم يدركون أنه مكان لهم، لا مهمة له سوى خدمتهم بلا مقابل، لا هم له سوى صحتهم»، ليعطينا بقوله هذا أملاً فى أن المصرى إن رأى عدلاً، وشعر أن المؤسسة تعمل لصالحه، انتمى إليها، وتصرف حيالها بمسئولية واحترام.