كانت «مصر» العَفية الصلبة الواعية - برئيسها وبجيشها وبشرطتها وبقضائها وبأحزابها وبنقاباتها وبنخبتها وبإعلامها وبشعبها - قد اتفقت على ضرورة أن تكون هناك مادة في الدستور المصري تمنع وجود ميليشيات مسلحة - تحديداً «المادة 200 المعدلة» - والتي تنص على الآتي (يُحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية).. كان هناك بُعد نظر لمخاطر هذه الميليشيات المسلحة التي انتشرت في ربوع مصر خلال الفترة من (يناير 2011 حتى يونيو 2013)، بل ظلت مصر تحارب التنظيمات والميليشيات المسلحة طيلة الفترة من (2014 حتى 2018)، وبفضل الجهود المخلصة من الجيش والشرطة نجحت «مصر» في تطويق الميليشيات المسلحة التي تتخذ من التطرف والإرهاب شعاراً لها.
تجربة «مصر» لمجابهة الميليشيات المسلحة تُدَرَّس، ولابد أن يتم توثيقها، ولا بد أن تُروَى لكي يتعلم منها الأجيال القادمة، فهي قصة نجاح باهرة لإنقاذ الوطن من براثن مجموعات عبثية لا تعرف إلا القتل والدماء والغدر والخيانة والدولارات، كانوا يقولون على «مصر» - في سنوات الفوضى - إنها تحولت إلى (دولة فاشلة ضعيفة) لا تستطيع حماية أجزاء من أراضيها وهي الأجزاء التي سيطرت عليها الميليشيات وأقامت بها معسكرات تدريب لعناصرها ويتم استقطاب عناصر جديدة.. هذا ما نُسميه بـ«ضعف الدولة» أو «ضعف شرعية الدولة».. فلم تكُن «مصر» هكذا لأنها واجهت وتصدت ورفضت وانتصرت في النهاية.. واجهت «مصر» الإرهاب وحفظت أمنها واحتفظت ببقائها وقامت ببناء نفسها من الداخل وطوَّرت جيشها وسلحته تسليحاً متنوعاً.. وها هي محفوظة وقوية ولا يستطع أحد الاقتراب منها رغم التوترات الكثيرة والتحديات الرهيبة التي تحيط بها.
لذلك أقول: إن تجربة «مصر» في مواجهة الإرهاب تجربة لا بد أن يعرف تفاصيلها الجميع داخلياً وخارجياً، وقد عرض وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري هذه التجربة خلال كلمته في الأمم المتحدة لكي تستفيد منها الدول خاصة بعد تفشي الإرهاب في عدد من الدول وعدم قدرة بعض الدول على مجابهة الإرهاب وهي الدول التي رضخت للميليشيات المسلحة تحت قوة السلاح والعنف والنتيجة - للأسف - هزيمة بعض الجيوش أمام هذه الميليشيات وهو ما أدى - في نهاية المطاف - لسقوط الدول في أيدى الميليشيات، وفي بعض الدول ونتيجة لزيادة نفوذ هذه الميليشيات تم دمجها داخل المؤسسات العسكرية لتتوغل أكثر وأكثر داخل دوائر صُنع القرار الحكومية وهذا بمثابة وبال على المؤسسات الأمنية لأن هذه الميليشيات لا تعيش إلا على القتل وتهريب الأموال والبشر والممنوعات وكل ما هو مخالف للقانون وهو ما يُفسِد سمعة المؤسسات الأمنية الرسمية في هذه الدول ويُضعف عملها ولهذا فهي تهدد الأمن القومي للبلاد والتي تُصبح بلاداً مُصدِّرة للإرهاب والتطرف.
قد لا يعلم البعض أن الميليشيات المسلحة لها اقتصاد موازٍ، فهي تحصل على تمويل خارجي من حلفائها وأيضاً تستولي على أراضي وموارد الدول وتُشدد قبضتها على ثروات الدول، وهذا هو الفساد بعينه.. والسؤال: ماذا لو نشب صراع بين الميليشيات المسلحة وبعضها البعض؟، عادةً ينشب الصراع بسبب الخلافات على التمويل وأوجه الإنفاق وتقاسم الغنائم، ويكون نتيجة هذا الصراع عمليات قتل لا حصر لها وذبح بلا عدد، ولأن هذه الميليشيات المسلحة تستخدم الدين ستاراً لها لخداع البسطاء فإن الصراع في هذا الوقت يكون صراعاً - من وجهة نظرهم - صراعاً دينياً وصراعاً على مَن يُطبق الدين.. وهذه هي الكارثة.