يأخذ السلوك الاجتماعى الذى يحض عليه القرآن وما وافقه من أحاديث نبوية درجات متتابعة، تعزز التكافل والتراحم والتعاون، بادئة بالوالدين، اللذين يجعل الله البر بهما يأتى مباشرة عقب الإيمان به سبحانه، إذ تقول الآية الكريمة: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» (الأنعام: 51) وتقول ثانية: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً» (لقمان: 14) وثالثة: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» (الإسراء: 23) وأيضاً: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» (النساء: 36).
وهناك حديثان منسوبان للرسول (عليه الصلاة والسلام) يحضان على بر الوالدين:
«رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة».
ويقول عبدالله بن مسعود، رضى الله عنه: سألت النبى، صلى الله عليه وسلم: أى العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت ثم أى؟ قال: «بر الوالدين»، قلت ثم أى؟ قال: «الجهاد فى سبيل الله».
ويأمر القرآن الرجل بأن يحسن معاملة زوجته: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء: 19)، فيما تُنسب إلى الرسول عدة أقوال فى هذا الشأن منها: «أوصيكم بالنساء خيراً»، و«خياركم خياركم لنسائكم»، و«الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».
وجاء الفقه لينظم، بمنطق الزمن الذى أُنتج فيه، علاقة الزوجين فى مختلف الأحوال: الرضا والسخط واللين والشدة والفرح والحزن، وعلاقة الأبوين بأبنائهما فى التربية التى تبدأ بالتدليل المتوازن الذى يفضى إلى إفساد، والتعليم والتدريب، وتعود الاعتماد على النفس، وكذلك فى الإنفاق والإعالة، إذ يقول القرآن: «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» (الطلاق: 7)، فيما ينسب للرسول: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».
وبعد الأسرة الصغيرة يأتى حق الجار، وهنا يُنسب للرسول: «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، و«والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذى لا يأمن جاره بوائقه»، و«لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة فى جداره»، و«يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة».
أما الأقربون فالقرآن يحض على صلة رحمهم: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ»، (محمد: 22-23). وينسب للرسول: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها»، و«الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله»، و«لا يدخل الجنة قاطع رحم».
ويأتى الأصدقاء فيُنسب للرسول قوله بشأنهم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»، و«مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك، إن لم يصبك منه شىء أصابك من ريحه. ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير، إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه».
وبعدها يأتى الناس أجمعين، حيث يحض الرسول على مخالطتهم ومشاركتهم: «المؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، و«كونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث».
ويأمر القرآن بأن يبذل الفرد كل جهد مستطاع فى سبيل الإصلاح بين الناس: «لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً» (النساء: 114).
ونكمل غداً إن شاء الله تعالى.