لا يُقصر الإسلام حسن معاملة الناس على المتفقين مع المسلم في الاعتقاد، إنما يمتد إلى أهل الأديان الأخرى. فالقرآن يقر قاعدة تقول: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13).
وممارسات الرسول حيال أهل نجران وكتابته للنجاشى ملك الحبشة، وقيصر إمبراطور الروم، والمقوقس حاكم مصر، وما أتى فى حجة الوداع، فيها الكثير من القواعد والنصائح والعِبر التى وجب على المسلمين الالتزام بها.
وهناك مبادئ عدة تحدد العلاقة بين المسلم وغير المسلم، فللأخير الحق في الحياة، حتى إن القصاص في الإسلام لا يعرف التفرقة بين نفس ونفس، فالحياة عطاء إلهي لا يسلبه إلا واهبه، وهنا يقول القرآن: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ» (ق: 43)، وغير المسلم آمن على عيشه وأهله وماله، حتى لو كان مشركاً، وهنا يقول القرآن: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِره حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ» (التوبة: 6)، وهناك تفسير لهذه الآية يقول فيه عبدالكريم الخطيب: «لا حيلة لأحد ولا سلطان أن يناله بر أو أذى، فهو الآن في ذمة رسول الله، ومن اتبعه، ولذا توجب سلامته، وتحقق كفالته وأمنه ما دام في ديار المسلمين وحماهم، فإن أراد المضي لبيت رغبته، توفرت حمايته وحراسته حتى يأتي إلى عشيرته».
ولغير المسلمين حق العهد والوفاء بمواثيقهم إلا إذا خانوا، وهنا يقول القرآن: «إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» (التوبة: 4).
كما أن لهم حق العمل، وحرية الكسب، إلا ما خالف حدود الله. ولم يكن في التشريع الإسلامي القديم ما يوصد الباب أمام الذميين في تولى الأعمال وتولى بعض المناصب شريطة أن يتوفر فيهم الإخلاص والأمانة والكفاية والكفاءة. ولهم أيضاً حق التعليم، فالرسول لم ير بأساً بتعليم غير المسلمين لأبناء المسلمين إذا اقتضت الضرورة، ولهم حق الجوار والتملك.
وقد تعاطى الفقه الإسلامي المستنير، الذي يؤمن أصحابه بأن باب الاجتهاد مفتوح بلا انقطاع لمواكبة تجدد الظروف والأحوال، مع قضية «المواطنة» التي لا تعامل المختلفين في الدين، ممن يعيشون في ديار المسلمين، على أنهم «أهل ذمة» مثلما كان سائداً في الزمن القديم، إنما هم مواطنون كاملو الأهلية، لهم ما للمسلمين في الدنيا من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات.
ويشترط كل ما سبق من سلوك اجتماعي البدء بتربية النفس، أو تقويم الذات على الالتزام بما فرضه القرآن وأوجبه، فمن أخلاقيات الإسلام أنه يؤدب النفس، غير مكتف بالسلوك الظاهر، إنما يدعو إلى سلامة النية والطوية، وإليهما يُسند الأعمال، حيث يقول الحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، ويفتح أبواب أربعة لمثل هذا التأدب، وهي: التوبة والمراقبة والمحاسبة والمجاهدة.
فالتوبة تعني مقاومة هوى النفس، والتخلي عن سائر المعاصي والذنوب، والندم على كل ذنب سلف، والعزم على عدم العودة إليه فيما هو آت. وهنا يقول القرآن الكريم: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» (هود: 3)، و«َتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور: 31) فيما يكون باب التوبة مفتوحاً، فالحديث يقول: «إن الله يبسط يده بالتوبة لمسىء الليل إلى النهار، ولمسىء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».
ويهتم الإسلام بتربية الفرد على الحلم والأناة والأمل والرجاء وهجر اليأس والقنوط وترك القلق والخوف والاحتمال والعفو والوقار والسكينة والتحرر من الخجل، الذى يقوده إلى الانكماش والانطواء، والتحلى بالحياء الذى هو من الإيمان، وقد ورد الكثير من الأحاديث التى تحض على فضيلة الحياء: «إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء»، «الحياء من الإيمان»، «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأقصاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
ونكمل غداً إن شاء الله تعالى.