فى سنغافورة على سبيل المثال تصل غرامة البصق على الأرض إلى ٥٠٠ دولار، وغرامة التدخين فى الأماكن العامة ٥٠٠ دولار، والشىء نفسه بالنسبة لرمى القمامة فى الشارع، كما تصل عقوبة ترك صنبور المياه مفتوحاً بعد سقى الزهور إلى ٥٠٠ دولار لأن الماء يجلب البعوض.
وتباعاً فإن ذلك يعود بى إلى كتاب «نصف العالم الآسيوى» من أهم ما أصدر البروفيسور كيشور محبوبانى أستاذ تطبيق السياسات العامة والذى كان سفير سنغافورة لدى الأمم المتحدة ورئيساً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال عامى ٢٠٠١ و٢٠٠٢. يذكرنا محبوبانى الذى تحدث فى كتابه عن عودة صعود نجم آسيا بأن التنمية فى سنغافورة قامت على ثلاثة مبادئ رئيسية هى: الكفاءة والبراجماتية والنزاهة.
لذلك سعت سنغافورة للبحث عن الموهوبين واعتبرت أن العقول الذكية هى مصادرها التى شكلت ثروة بعد ذلك مع الأخذ فى الاعتبار حقيقة أن سنغافورة فقيرة بمصادرها الطبيعية.
وأكد محبوبانى أن المعجزة الحقيقية فى سنغافورة تكمن فى النظام الصحى حيث تعتبر وفق تقارير البنك الدولى من أفضل الدول التى تقدم خدمات صحية فى العالم على الرغم من أنها تنفق نحو ٤٪ فقط من إجمالى إنتاجها على القطاع الصحى بينما تنفق أمريكا على سبيل المثال ١٦٪.
لذا لن تكون متفاجئاً لو قرأت وفقاً لمجلة «فوربس» الأمريكية أن سنغافورة تأتى فى المركز الثانى بعد اليابان فى جودة الطعام المحلى وتأثيره الإيجابى على الصحة وطول العمر.
لم تكن سنغافورة الوحيدة التى نجحت فى المواءمة بين النظام الرأسمالى والنظام الاشتراكى لتصبح الخدمة الصحية والتعليمية هى الأفضل، فمثالاً، فى عام ٢٠٠٣ أدت كارثة انتشار مرض السارس SARS فى الصين إلى الكشف عن قدر التدهور الذى أصاب القطاع الصحى وبدأ التفكير فى العودة إلى النظام المدعوم فى معظمه من الدولة بدلاً من الاعتماد على القطاع الخاص فى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين مقابل ربح، والذى اعتمدته الصين فى محاولة لخفض الإنفاق وإطلاق يد القطاع الخاص فيما يعرف بتحرير الخدمة مقابل الربح والذى أظهر إهداراً كان ضحيته المواطنين خاصة الفقراء منهم.
مع تمكين الفساد وإطلاق يد القطاع الخاص لإزاحة العبء عن الحكومة والذى أسس للمنافسة الضارة لصالح الفائدة وأهمل المعايير المهنية والأخلاقية، صعّب وصول الخدمة لغير القادر وضعفت الجودة حتى إن الأطباء الصينيين لم يرضوا عن أنفسهم وحرروا تقارير تفيد عدم رضاهم عن حال الصحة ولا عن حياتهم المهنية كما فعل الأطباء المصريون تماماً حين هتفوا تعليقاً على صدمة رئيس الحكومة فى تردى الخدمات الصحية «يا محلب بيه اتفاجأت عندنا ليه».
النظام الصحى الذى أفهمه لا يعالج فقط المرضى، بل يحفظ صحة المواطن، مدركاً أن الأصحاء هم أقل تكلفة للدولة ومصدر ثروة، لذا وجب تمكين المواطن بالمعلومات عن كيفية قياس الأداء الجيد للأنظمة ومساءلة المسئولين فى قطاع الصحة وتحفيز المجيدين، وهو ما يستلزم عملاً عظيماً، تحط من قدره جولات خائبة تستخف بالمصريين.
«مبحبش أروح المستشفيات ولا للدكاترة» عبارة لم يعتنقها المصريون مذهباً من فراغ، كلما دخلت مستشفى التفت إلى لافتة كتبت عليها الآية الكريمة «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» وأتمتم «أكيد ده حتى هما عارفين أنهم مش من أسباب للشفا!».