اليوم فصل جديد فى العلاقات المصرية - التركية، اليوم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى زيارة لتركيا، تلبية لدعوة رسمية لزيارتها بعد زيارة للرئيس أردوغان لمصر، كنا ننفعل فيها ونطالب القيادة السياسية باتخاذ قرارات حادة تمس العلاقات بين البلدين، بينما كان غيرنا يخلط السياسى بالاقتصادى، فى حين كانت القيادة السياسية قوية صلبة هادئة، لا ولم تعرف الانفعال، ترى المشهد أفضل من الجميع.. آمنت بثوابت فى السياسة المصرية الخارجية تقوم على عدة مبادئ، أولها حسن الجوار، وثانيها احترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل فى شئونها، بالطبع هناك مبادئ أخرى، لكن كان الثبات الانفعالى حال قيادة مصر، فلم يصدر أى قرار فى أى اتجاه إلا وفق رؤية شاملة تعتمد على المصالح العليا للبلاد.. كذلك أدركت أن العلاقات التجارية والاقتصادية تقوم عليها مصالح عشرات الألوف من الأسر فى كلا البلدين، لا يصح إفساده أو التدخل السلبى فيه، فربما يجىء اليوم الذى يزيد فيه التعاون بين البلدين، ونبنى على ما بُنى من تعاون السنوات السابقة!
وبالفعل.. نعترف أن وجهة النظر هذه كانت صحيحة، واليوم يصل التبادل التجارى بين مصر وتركيا إلى ما يتجاوز الـ3 مليارات دولار، يبدو الأمل فى أفق قيادة البلدين بالوصول بها إلى 8 مليارات دولار العام القادم 2025، بينما يبدو الأمل فى المستقبل القريب بالوصول بها إلى 15 مليار دولار، لتعادل وحدها نصف حجم التبادل التجارى مع دول الاتحاد الأروبى كله! وهذا لا يتم إلا إذا كانت العلاقات ممهدة، لذلك لعب فيها الاقتصاد والتبادل التجارى والاستثمار فى كلا البلدين والعلاقات بين القطاع الخاص هنا وهناك الدور الأساسى والأكبر!
فى تقرير سابق لمركز إعلام مجلس الوزراء صدر فى أغسطس من العام الماضى، ذكر أن عدد الشركات التركية المستثمرة فى مصر تجاوز 790 شركة، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات التركية فى مصر يقدر بنحو 2.5 مليار دولار بالإضافة إلى الاستثمارات التى تم ضخها عام 2020 بقيمة 400 مليون دولار.. التقرير صدر بعد أشهر من اجتماع ضم الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وعدداً من الشركات التركية العاملة فى مصر بلغت 15 شركة، أشار ممثلو الشركات التركية إلى خططهم الخاصة بتوسيع حجم أعمالهم فى مصر خلال المرحلة المقبلة، وتقترب هذه التوسعات والاستثمارات الجديدة، كما قالوا فى الاجتماع، من 500 مليون دولار! اللافت للنظر ويدعونا للفخر -ويثبت ما قلناه فى سطور المقال الأولى- أن الاجتماع شهد اعترافاً من رؤساء الشركات التركية بأنهم وطوال السنوات السابقة وبعضهم بلغ الـ15عاماً لم يعانوا من أى تمييز أو أى مشاكل من أى نوع!
على كل حال، ليس الاقتصاد وحده الذى يحدد شكل العلاقات المصرية التركية.. بل السياسة التى سترسم شكلها الفترة المقبلة.. أمام البلدين فرصة للتعاون فى مجالات عديدة، حتى العسكرى منها، صناعات ومناورات التعاون فى البحر المتوسط وفق الرؤية المصرية التى تؤمن بإمكانية تحويل أى أزمة إلى تعاون، وهو ما سعت مصر إلى تطبيقه على أكثر من صعيد، وبالتالى يمكن جداً التعاون فى استكشاف الطاقة والاستفادة منها، يمكن أيضاً التعاون فى البحر المتوسط فى تسهيل حركة سلاسل الإمداد التى تأثرت، ولا تزال، بالحرب الروسية الأوكرانية، ويمكن أن ترتبك فى أى لحظة.. وكذلك عدة قضايا يمكن التقدم فيها بتفاهمات كبيرة، خاصة الأزمة فى ليبيا، والرؤية المشتركة من الأزمة السودانية، وكذلك اللبنانية.. وكلها قضايا ومشكلات توجد فيها تركيا بدرجة أو بأخرى، وهنا تتبقى قضيتان مهمتان، الأولى القضية الفلسطينية والموقف من العدوان على غزة، حيث سبقت زيارة الرئيس السيسى اتصالات بين كل من مصر وتركيا والسعودية للتنسيق لمواقف مشتركة من العدوان على الأشقاء، الذى دخل بالعدوان على الضفة الغربية مرحلة جديدة يتوسع فيها القتال، وبالتالى الضحايا أكثر فأكثر.. وبالتالى يحق أن يكون للدول العربية والإسلامية الكبرى موقف مشترك.
الوجود التركى فى شمال سوريا الشقيقة أحد الشواغل المصرية طوال الوقت، والوجود التركى فى شمال العراق الذى جرت عنه الأسابيع الأخيرة تفاهمات عراقية تركية، يتبقى دور مصر فى وضع تصور لتفاهمات سورية تركية أيضاً تنتهى بالحفاظ على وحدة التراب السورى، وهو أحد محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه الأزمة السورية وخلاصة دورها ومواقفها فى السنوات الماضية!
وبالتالى دوائر كثيرة يمكن العمل المصرى التركى المشترك فيها، وأغلبها يؤثر فى مصالح الأشقاء العرب فى ليبيا والسودان وسوريا ولبنان والمنطقة كلها، فضلاً عن تعاون محتمل مصرى تركى فى أفريقيا وأفق لتعاون مصرى عربى خليجى تركى!
الأيام القادمة عندها كل الإجابات عن كل التصورات!