هو ليس اتهاماً بالسرقة فى حق صُناع المسلسل التليفزيونى الناجح «عمر أفندى»، ولكنه مناقشة لمسألة مدى اقتباس فكرة المسلسل المصرى من المسلسل الأمريكى الشهير (11.22.63)، والأرقام تختصر تاريخاً معروفاً لدى الشعب الأمريكى، وهو 22 نوفمبر سنة 1963، يوم اغتيال الرئيس الأمريكى جون كينيدى، وهى اللحظة التاريخية التى يحاول البطل الوصول قبلها بمدة زمنية كافية فى رحلة عبر الزمن من خلال سرداب سرى يمثل الفجوة الزمنية التى يبحر فيها إلى مطلع الستينات، لينطلق بمشاعر وأفكار عصره إلى عصر آخر يبدأ منه عملية إنقاذ الرئيس الأمريكى من الموت باقتلاع جذور ودوافع الجريمة كى لا تقع، والمسلسل مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب ستيفن كينغ، ويدور فى إطار تشويقى مبنى على الخيال العلمى ومكون من ثمانى حلقات، وعُرض على منصة «hulu» منتصف فبراير 2016.
وقد نشرت هذا الكلام مبكراً على صفحتى فى موقع التواصل الاجتماعى «Facebook» عقب مشاهدة أول حلقتين من مسلسل «عمر أفندى»، قبل أن تتلقف بعض المواقع الإلكترونية الأمر وتعيد طرحه بصورة مرتبكة ومشوهة، وذكرت أيضاً ملاحظتى لتقارب واضح بين الفكرتين بعد مشاهدة الإعلان التشويقى للمسلسل ثم عندما بدأ عرضه على منصة «شاهد» السعودية بالتزامن مع قناة «On» المصرية، تكونت لدىّ قناعة باتساع مساحات التشابه بين العملين، وتأكدت أكثر بعد مشاهدته كاملاً، وتمنيت لو كانت الشركة المتتجة قد قامت بالإشارة إلى الفكرة الأصلية، وأتفهم أن فكرة السفر عبر الأزمنة والعصور سبق تقديمها فى عشرات الأعمال الفنية الأجنبية والمحلية، لكن مساحة الاقتباس هنا بين عمر أفندى وجون كينيدى واضحة وكاشفة.
والاقتباس الدرامى فى عالمنا العربى لم يعد محرماً كما كان فى الماضى، وهو فى كل العصور كان أساساً تشكلت منه سيناريوهات العديد من الأعمال الدرامية المصرية والعربية، وقد أصبح رواده (المقتبسون) نجوم الصف الأول فى الكتابة الدرامية للسينما والتليفزيون، ويأتى فى مقدمتهم الكاتب المعروف أحمد مراد الذى منح (الاقتباس) شرعية وعلانية فى كتابه «القتل للمبتدئين»، مؤكداً فى نصيحته لشباب كُتاب السيناريو على أهمية وجود (Reference) أجنبى لأى مشروع يحاولون تسويقه.
ويرجع سبب اهتمامى بالأصل والصورة إلى أنى كنت قد كتبت معالجة درامية مقتبسة بشفافية من فكرة الرواية والمسلسل الأمريكى، وكانت مشروعاً يتكون من 3 أجزاء، يعود البطل فى كل جزء إلى تاريخ من الماضى مرتبط بحدث مؤثر فى حياة الشعب المصرى فى عصرنا الحديث، فمثلاً كان سيعود فى الجزء الأول إلى تاريخ الأول من يونيو سنة 1967 لمنع حدوث النكسة، وفى الجزء الثانى كان سيعود إلى يوم 30 سبتمبر سنة 1981، لينقذ الرئيس السادات من الاغتيال خلال العرض العسكرى الذى جرى يوم السادس من أكتوبر، وفى الجزء الثالث كان سيعود إلى يوم 25 يناير 2011 ليمنع ما جرى بعدها من أحداث سياسية معروفة وُصفت بالثورة أحياناً، وفى قول آخر مؤامرة على مصر والعالم العربى، تحت غطاء حركى اسمه «الربيع العربى»، وكانت الأجزاء الثلاثة تحكى سيرة أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة تسكن فى أحد الأحياء الشعبية، تأثرت بقسوة من جراء كل حدث من هذه الأحداث التاريخية الثلاثة الفارقة فى ماضى مصر وحاضرها ومستقبلها.
وبذلت جهداً بحثياً لتقديم مسألة السفر عبر الزمن بصورة علمية وسلاسة درامية، بعيداً عن السرداب (التقليدى) الذى تم تقديمه فى النسختين المصرية والأمريكية، وطرحت الفكرة وحكيتها لبعض الأصدقاء خلال السنوات الماضية، بعد تعثر إنتاج المسلسل لأسباب أولها وآخرها ضخامته الإنتاجية وأوسطها احتمال مواجهته مشاكل رقابية.
وقد اختار المؤلف المتميز مصطفى حمدى الهروب إلى الأربعينات بمسلسله «عمر أفندى»، وصب تركيزه الدرامى على العلاقات الإنسانية حتى فى تناوله للواقع السياسى وتأثير الحرب العالمية ومواجهة الشعب المصرى مع الاستعمار، مرتكزاً على الكوميديا لتمرير رسائله البسيطة فى مظهرها، والعميقة فى تأثيرها، مستفيداً بأن الأربعينات مرحلة تتميز بالأمان التاريخى، بما يضمن له تمرير السيناريو، ويقول ما يشاء وفق أهدافه الدرامية ويمنح الحرية للمخرج وفريق العمل المساعد فى تكييف رؤيتهم البصرية لتأكيد الفوارق بين العصرين.
استمتعت بمشاهدة المسلسل كاملاً، وأقدم التهنئة لصُناعه جميعاً، فلقد اجتازوا امتحاناً صعباً، ونجحوا فى تقديم عمل فنى متماسك جذب شريحة كبيرة من المشاهدين، رغم المشاكل الإخراجية القليلة والارتباك فى السرد أحياناً، والمبالغة فى الأداء التمثيلى من بعض الممثيلن، لكن فى المجمل نجح «عمر أفندى» ولذلك أسباب مختلفة، منها النوستالجيا التى نشَّطها عند جمهور المشاهدين بالحنين إلى عصر الأبيض والأسود، بشياكته وهدوئه وبساطته ونقائه ومفرادته الشيقة، كما أن خلو الساحة من أى مسلسلات جديدة جعله الطبق الرئيسى على مائدة المشاهدة التليفزيونية لأغلب الناس، أما العامل الأخير فهو تزامُن إذاعته عربياً ومحلياً.
وأخيراً، سيظل السفر عبر الزمن مساحة خصبة للإبداع وفرصة مثالية لإثراء خيال المشاهد وإشباعه معرفياً، وهنا تكمن قيمة هذه النوعية من الأعمال الدرامية التى تنتقل بنا فوق عقارب الساعة وتبحر فى صفحات روزنامة التاريخ، تنتقى الحوادث المؤثرة والقصص الناضجة. وسواء كانت الرحلة إلى المستقبل أو إلى الماضى فإن الجمهور حاضر بكامل وعيه يتطلع للهروب من حاضره المرهق.