المولد النبوي في الصعيد.. زفة وسهرات ليلية وموائد وجلسات ذكر
احتفالات المولد النبوى فى محافظة قنا لها طابعها وطقوسها الخاصة
يحرص الأهالى فى قرى الصعيد على الاحتفال بذكرى المولد النبوى كل عام، وسط تنوع مظاهر تلك الاحتفالات ما بين مسيرات تجوب الشوارع وطهى الطعام وتوزيعه على الأهالى، تزامناً مع اهتمام الطرق الصوفية بعقد جلسات للذكر وسهرات ليلية تتضمن قراءة القرآن الكريم وإلقاء القصائد والتواشيح والابتهالات، بمشاركة كبيرة من العوام وأتباع الطرق الصوفية.
فقرات استعراضية بـ«الخيول والجمال».. وإلقاء القصائد في مسيرات محافظة قنا
فى قنا مثلت «زفة المولد» أحد أشهر الطقوس للاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف أو موالد أولياء الله الصالحين المنتشرة بجنوب الصعيد، ويحضرها الآلاف من المواطنين، وهى عبارة عن مسيرة ضخمة تتضمن فقرات استعراضية بالخيول والجمال التى تحمل الرايات الخضراء، فضلاً عن فقرات الإنشاد الدينى، ووفقاً لـ«محمد خميس»، أحد مشايخ الطرق الصوفية بقنا، تعد الزفة من أهم طقوس الطرق الصوفية فى محافظات الصعيد، ودائماً ما يتم تنظيمها فى صبيحة يوم مولد النبى صلى الله عليه وسلم: «عادة ورثناها منذ مئات السنين، وعرفناها منذ الصغر من أجدادنا وآبائنا، والإعداد لها يتطلب جهداً كبيراً من القائمين عليها، فهى تعتمد على التنظيم، والتزام كل الحاضرين بما هو متفق عليه بدايةً من السير فى خطى ثابتة منذ لحظة انطلاق الزفة، والتجول فى الشوارع المحددة دون الخروج عن المتفق عليه حتى النهاية».
طقوس خاصة للطرق الصوفية في شوارع المدن والقرى والنجوع
وقال منتصر القرعانى، صوفى وصاحب جمعية «القنائى»، إن الزفة تنشر حالة من البهجة والفرحة بذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم فى شوارع المدن والقرى والنجوع، حيث يخرج الجميع فى المسيرة ينشدون قصائد فى حب الرسول الله، تتقدمهم الجمال والخيول التى ترفع على ظهورها رايات خضراء مدوناً عليها الشهادتان.
وفى المنيا، يحمل الشباب الطبول والدفوف ويتقدمهم الكبار إلى الشوارع، مرتدين الجلابيب البيضاء للمشاركة فى مسيرات تضفى حالة من البهجة، وتتخللها زغاريد النساء وتوزيع الحلوى على الصغار، فضلاً عن تزيين الشوارع برايات ملونة، ويردد الجميع الصلاة على خير البرية إحياءً لذكرى مولد رسول الله، ويسبق «زفة المولد النبوى الشريف»، التى تقام يوم 12 ربيع الأول بقرى المنيا، أسبوع كامل من الأمسيات الدينية تستمر حتى ساعات الصباح الأولى، وفى يوم الزفة تزدحم الشوارع بالمسيرات، وسط التكبيرات والصلاة على النبى فى كل الأرجاء، وفقاً لما ذكره مصطفى حماد، من أهالى قرية زهرة، موضحاً أن محافظة المنيا لها طابعها الشعبى الأصيل فى إحياء ذكرى المولد النبوى، حيث يشارك فيها جميع أفراد الأسرة من الكبار والصغار، ويرتدى الأطفال الجلابيب، ويحملون السيوف الخشبية، تعبيراً عن فرحتهم بالمولد النبوى.
وقال محمد حمبولى، من مركز بنى مزار، إن لكل قرية طقوسها فى الاحتفال بالمولد النبوى، ففى قريتى «صندفا وأبا البلد»، تقام أكبر المسيرات وأكثرها تنظيماً، وفى قرية القيس تنظم العائلات ليالى قرآنية وحلقات ذكر تستمر طوال الليل، مؤكداً أن احتفالات المولد النبوى فى المنيا تمثل تجسيداً حياً للترابط الاجتماعى والتلاحم بين أبناء المجتمع، فهى مناسبة لتعزيز القيم الأخلاقية والفاضلة، لافتاً إلى أن ختام الاحتفالات فى قرية زهرة له طابع خاص جداً، حيث يتم تنظيم مسيرات حاشدة تطوف الشوارع، تعرف بـ«زفة المولد»، ليهلل ويكبر المشاركون فيها، وتتقدمهم الأعلام، وتقرع الطبول والدفوف.
وأوضح على مخلوف، من أبناء مركز المنيا، أن الاحتفال بذكرى المولد النبوى أمر ضرورى فى القرى، ويهتم به الأهالى أكثر من الاحتفالات بالأعياد، موضحاً أنها تستمر لمدة 11 ليلة متصلة، تقام خلالها حلقات ذكر ومديح وتواشيح دينية مساء، وتبدأ عقب صلاة العشاء وتستمر حتى الساعات الأولى من الصباح، ويتم توزيع المشروبات والحلوى على الحضور ومعظمهم من كبار السن والشباب.
واحتفظت قرى ومدن محافظة سوهاج بعادات وتقاليد مختلفة متوارثة فى ذكرى المولد، وتختلف مظاهر الاحتفال باختلاف المناطق والأماكن والأشخاص، فهناك من يهتم بحلقات الذكر والحضرات، فيما يحرص آخرون على تجهيز موائد الطعام المختلفة، من الخضراوات واللحوم، والفول النابت والعدس، فضلاً عن توزيع المشروبات كالعصائر والشاى والترمس.
وتُعرف محافظة سوهاج بتنظيم مسيرات بالخيول والسيارات والسيوف والطبول، ويعد هذا الاحتفال أكثر الاحتفالات المحببة للأهالى بمراكز وقرى ونجوع المحافظة، حيث تجوب تلك المسيرات الشوارع، ويُردد المشاركون فيها أناشيد دينية يمدحون فيها النبى عليه أفضل الصلاة والسلام: «صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم»، ثم يعقب المسيرات أُمسيات وسهرات دينية تستمر طوال أيام الاحتفال بالمولد.
الشيخ سعد صادق، أحد أشهر مشايخ الطرق الصوفية فى سوهاج، أكد أن شراء حلوى المولد النبوى وتقديمها للأقارب والجيران والأصدقاء عادة متأصلة فى المحافظة، إلى جانب تنظيم ليال تلقى فيها القصائد والأناشيد التى تمدح النبى «صلى الله عليه وسلم»، خاصة فى مراكز أخميم والبلينا والمنشاة، مضيفاً أن هناك العديد من العادات والتقاليد القديمة، من بينها تنظيم زفة ومسيرة لـ«جمل» عليه «هودج»، مغطى بالقماش الأخضر، يطوف الشوارع والأضرحة القريبة من المسيرة، ومن خلفهم الأهالى ينشدون فى حب النبى.
وقال سيد كمال، بناحية مركز المنشاة جنوب محافظة سوهاج، إنه اعتاد على تحضير الأطعمة كالفول النابت والأرز بلبن والخضراوات وتوزيعها على الأهالى، وهى عادة ورثها عن والده منذ 40 عاماً: «نستعد قبل قدوم المولود بـ10 أيام، وهى من أكثر الأيام سعادة وفرحة لنا».