العلاقة بين المرشح الجمهورى الحالى والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والجمهورية الإسلامية الإيرانية شديدة التعقيد ويغلفها عداء وكراهية عميقة، والبحث وراء أسبابها قد يفسر لنا مغزى الحضور الإيرانى الدائم فى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، التى انطلق التصويت فيها عبر البريد قبل أيام، وأصبح لا يفصلنا عن ليلتها الكبرى، ليلة الثلاثاء العظيم، سوى بضعة أسابيع. وقد تجدَّد التصعيد وزاحم ترامب وعلاقته «التوكسيك» بإيران نشرات الأخبار العالمية التى كانت تنعى ضحايا لبنان وتتابع تلاعب نتنياهو بالعالم بين التصعيد والتهدئة فى الجبهة الشمالية، فى حين يترقب العالم وصوله إلى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك ليلقى كلمة إسرائيل فى الدورة 79 لجمعيتها العامة.
وفى هذه الأثناء أطلق صديقه ترامب من جديد قنابل دخانه الكلامية الإثارية، وأشعل الجدل بتهديدات متبادلة بينه وبين إيران، متوعداً بـ«تدمير إيران إذا ألحقت أذى بمرشح فى الانتخابات الرئاسية»، والذى كان رده الموجز بعد أن أطلعته وكالات الاستخبارات الأمريكية على تهديدات لحياته تقف وراءها طهران.
ويبدو أن محاولات «اغتيال ترامب» ستكون الملمح الأبرز لسباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، فبعد محاولتين فشلتا خلال شهرين، مرت فى الأولى رصاصة بجوار رأسه أصابته إصابة سطحية فى أذنه فى يوليو الماضى، عاش بعدها دوراً بطولياً وهمياً، تم تضخيمه واستثمار نجاته من الموت بشكل مفرط فى حملته الدعائية، وأما المحاولة الثانية فكانت قبل أسبوعين تم اكتشافها بعد رصد مشتبه به قبل أن يصل لترامب الذى كان يلعب الجولف فى «ويست بالم بيتش» بولاية فلوريدا، وتم القبض على الشخص المشتبه به الذى كان بحوزته سلاح غير مرخص، وتمت إحالته للمحاكمة مخلفاً وراءه رسالة إلى العالم يعترف فيها بجريمته، وجاء فيها بحسب ما نشرته وسائل إعلام مختلفة: «كانت هذه محاولة اغتيال لدونالد ترامب لكننى خذلتكم. لقد بذلت قصارى جهدى وبذلت كل ما فى وسعى. الأمر متروك لكم الآن لإنهاء المهمة»، موضحاً فى رسالته رفضه عودة ترامب ليكون من جديد رئيساً، مؤكداً عدم صلاحيته للمنصب.
وقد دخلت إيران على خط الانتخابات الرئاسية مبكراً بعد اتهامات طالت إحدى الشركات الإيرانية بقيامها بعمليات قرصنة إلكترونية ضد حملة الرئيس ترامب، وذلك بحسب ما أكدته تحقيقات لوكالات الاستخبارات الأمريكية أُعلنت نتائجها فى أغسطس الماضى، وجاء فيها أن «إيران تقف وراء الهجمات الإلكترونية على مقرات الحملات الانتخابية فى البلاد، فى إطار تدخل أوسع للنظام الإيرانى، بهدف التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية»، مؤكداً أن «إيران تسعى إلى خلق الفتنة وتقويض الثقة فى المؤسسات الديمقراطية بالولايات المتحدة».
وإن صح ما وصلت إليه المخابرات الأمريكية، فهل حقاً إيران تريد منع عودة ترامب بأى وسيلة، حتى لو اضطرت إلى تدبير محاولة لاغتياله؟
ربما يساعدنا على الإجابة استرجاع أهم محطات العلاقة بين إيران وترامب خلال فترته الرئاسية (2017: 2021)، والتى كان ختامها قاسياً ولا يُمحى بعملية اغتيال قاسم سليمانى، قائد «فيلق القدس» فى الحرس الثورى الإيرانى فى يناير سنة 2020، الذى قُتل فى قصف صاروخى أمريكى استهدف موكباً للحشد الشعبى فى مطار بغداد.
و«سليمانى» كان هو العقل المدبر والمنفذ لأنشطة إيران فى الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الفعلى فيما يتعلق بشئون الحرب والسلام، وكان يوصف بأنه أقوى شخصية فى بلاده بعد المرشد الأعلى الإيرانى، ويرجع له الفضل فى وجود أذرع إيران فى خمس دول عربية، ما زالت تمثل «حلقة نار» حول إسرائيل تستنزفها وفق المستهدف الإيرانى.
أما ضربة البداية من ترامب ضد إيران فكانت فى مايو 2018، عندما أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووى مع إيران، لتدخل بعدها طهران ما عُرف اقتصادياً بفترة «الضغوط القصوى»، وحالياً وبعد موجات الاضطرابات الداخلية لا يحتمل الاقتصاد الإيرانى أى ضغوط جديدة، فقد قضى فترة بايدن الرئاسية يلتف حول العقوبات، مستغلاً تغاضى الإدارة الديمقراطية.
ومسألة التهديد الإيرانى باغتيال ترامب أثيرت من قبل فى 26 يوليو الماضى، وقتها كتب ترامب عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعى قائلاً: «إذا اغتالوا الرئيس ترامب، وهو احتمال قائم دوماً، آمل أن تطمس الولايات المتحدة إيران، أن تمحوها عن وجه الأرض. إذا لم يحصل ذلك سيُعتبر قادة الولايات المتحدة جبناء وبلا شجاعة».
وأرفق ترامب وقتها، وبحسب موقع «سكاى نيوز عربية»، فيديو مع تعليقه لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يتحدث فيه أمام الكونجرس الأمريكى ويشير إلى مخطط يستهدف ترامب يزعم أنه إيرانى. وربما يفسر لنا هذا التشابك المريب حول «اغتيال ترامب» بين نتنياهو وترامب وإيران مستقبل منطقة الشرق الأوسط فى ظل الثلاثة الذين يدفعونه بلا رحمة نحو الهاوية.
والمثير أن حديث ترامب عن «طمس إيران» تكرر من قبل خلال ولايته الرئاسية سنة 2019، حين هدد بـ«طمس» إيران إذا نفذت هجوماً على «أى شىء أمريكى»، وقد تزامن هذا التصريح مع حزمة جديدة من العقوبات أقرها ترامب ضد إيران.
ولا نملك إلا أن نترقب نهاية هذا الصراع الصفرى بين ترامب وإيران، بين الاغتيال والتدمير، لنرى من سينتصر.