من يتصور أن الحياة يمكن أن تمضى على وتيرة واحدة يظلم نفسه مرتين: الأولى: لأنه يحرم عقله من متعة فكرة وجود تجارب جديدة ستغير حتماً فيه شيئاً وعليه أن يستعد لما فيها، فإما أن يتعلم، وإما أن يعلّم شخصاً ما فى مكان ما، وكلاهما ينتظره. والثانية: يعطى لنفسه فرصة الاستسلام للواقع الحالى، وهو بالطبع سيقهر رغبتك فى الحياة سواءً كان ما تعيشه الآن رغداً وفرحاً أو كان ضنكاً وحزناً.. مجرد الاستسلام له سيشعرك بالملل من الحياة وعدم الرغبة فى الاستمرار فيها بعد وقت ما.. طال أو قصر، وربما كان هذا سبباً منطقياً لتقبّل فكرة أن «كل شىء سيمرّ»، وعليك أن تستعدّ للضد المقبل الذى ينتظر خلف الباب.
إذا كنت ممن يعيشون فى القسم الأول من الحياة (فى رغد وفرح و..) فتعلّم كيف تهنأ بها جيداً ولا تحرم نفسك من تقدير هذه النعمة بأن تفيض على مَن حولك بما يملأ حياتك الآن.. افعلها وستدرك بنفسك كيف ستتعاظم فرحتك بما تمتلك بلا شك، وادخر من سعادتك هذه طاقة تواجه بها أى عاصفة قد تمر بك مستقبلاً. أما يا عزيزى إذا كنت ممن أسدلت أمامهم الستار ويمرون بعسرات فى حياتهم، فأنا أعلم جيداً كم أنت حزين الآن.. وقد تكون يائساً أيضاً، ما عليك الآن إلا أن تفكر كيف تخرج سالماً من هذه المرحلة فى حياتك (فكل شىء سيمر)، وعليك فقط أن تنتبه إلى كل قرار ستتخذه، فأنت داخل دائرة الدخان التى لا ترى فيها شيئاً.. والمقبل يا عزيزى يتوقف على قرار الخروج من أزمتك التى تعيشها الآن.. أياً كانت، رغم أن هذه الحالة تعتبر من أصعب الحالات التى يمكن أن تمر علينا ونحن نواجه الحياة، إلا أن خوفنا من مواجهتها يدفعنا إلى أن نتخذ ردود فعل ليست صحيحة فى أغلب الأحيان، فرغبتنا فى إنهاء هذه الحالة المزعجة بأسرع وقت من الممكن أن تجعلنا لا نمنح أنفسنا وقتاً للتفكير.. رغم أن «التفكير» وحده هو بالضبط ما تحتاج إليه الآن يا عزيزى.
أتذكر يوماً قال لى شيخى الطيب: «كل شىء بالقانون»، فأبتسم حين أتذكر حالى وأنا أسأله معترضة يائسة بعد أن أغلقت الأبواب فى وجهى، وحان وقت اتخاذ القرار، إما أن أذعن لما لا يليق بى فى القناة التى أعمل بها فى ذلك الوقت، وإما أن أرحل الآن والمركب فى عرض البحر، ومَن على المركب لا ذنب لهم سوى أنى قائدها. سألته: وهل فيها وسط هذه المرة؟ كيف؟ أجابنى كعادته مبتسماً: نعم يا عزيزتى، فهذه المرحلة أيضاً لها قانون حتى تخرجى منها سالمة، عليك أن توقظى عقلك، فآخر ما تحتاجين إليه الآن هو أن تستسلمى لخوفك.. تحررى مما تحسبينه سيهدد حياتك ويقيدك من اتخاذ قرارك، وربما مرورك على هذه الخطوات البسيطة سيمنحك ما تحتاجين إليه من قوة للخروج من دوامة القرارات المترددة التى تمر عليك الآن وأنت داخلها.
أولاً: احذرى أن تتخذى قراراً فورياً تحت هذه الضغوط أياً كانت، فحالتك الآن لن تسمح لك بالتفكير الجيد.
ثانياً: إن كانت أزمتك التى تواجهينها مع العمل فخُذى إجازة ولو ليومين فقط، وإن كانت مع عائلتك أو مع أصدقائك أو من تحبينهم فخُذى منهم إجازة أيضاً، فالشىء الذى تحتاجين إليه الآن هو أن تكونى متحررة من هذا الحمل الذى يحيط بك لتخرجى من الدوامة الآن.
ثالثاً: أنت بمعزل عن الأشياء الآن، أخرجى نفسك من الدائرة وانظرى إلى ما تعيشينه من الخارج. فكّرى جيداً. حددى أسباب أزمتك، وأطراف الأزمة، والحالة النهائية التى تريدين أن تخرجى بها بأقل الخسائر.
رابعاً: ثقى بنفسك يا عزيزتى، تعلمى من أسباب أزمتك حتى لا تكرريها فى مستقبلك، وتخلّصى من أطراف أزماتك بإخراج ما يمكن منهم من حياتك، فكل هذه الأشياء ستنتهى فور اتخاذك القرار الصحيح، والقرار الصحيح لن يأتى إلا عندما تتحررين من حالة العمى المؤقت هذه عندها سترين الطريق أمامك واضحاً نحو الهدف، فنحن دائماً لدينا إمكانية البدء من جديد ما دمنا أحياء.
نعم يا شيخى الطيب، ما زلت أتذكر ما قلته وأطبقه مع كل أزمة أمر بها، وكيف لا؟ فنحن لا نحتاج إلا إلى الخروج من الدائرة لنرى الأمور بوضوح والأشخاص على حقيقتهم وقدراتنا فى مكانها الصحيح.
أنت أيضاً يا صديقى الطيب ليس عليك إلا أن نثق فى أنك تستحق الأفضل، واعلم أن لنا من نلجأ إليه فى الدنيا، وهو عقلنا الذى لا يجب أن نلغيه فى لحظات الغضب والألم والاحتياج والحب، ولنا أيضاً من نلجأ إليه يا صديقى فى السماء، فجلسة صادقة بين يديه ستريح قلبك المتعَب وتعطيه الفرصة ليهدأ ويطمئن. فافعلها يا عزيزى، وثق بأنك تستطيع، وأن كل هذا سيمر، فلا تسمح لشىء بأن يجعلك تستسلم.