«منى».. تعلم الأطفال الصمود غزة: «ربيت أولادي على الشهادة»
منى شراب
أعادت منى شراب تعريف الصمود فى غزة، ليس فقط من خلال تحمّلها لصوت الطائرات والقذائف التى تدك بيوت الأهالى، ولكن من خلال صمودها كأم وزوجة فى مواجهة ظروف الحياة اليومية الصعبة.
تروى «منى»، وهى أم لأربعة أبناء، كيف اضطرت هى وعائلتها إلى النزوح عن منزلهم تحت وابل من الرصاص، تاركة خلفها ذكريات البيت الملىء بالضحك والأطعمة الشهية، لتعيش الآن فى بيت لا يتجاوز 70 متراً مع 30 شخصاً آخرين من أقاربها.
تحكى «منى» كيف تعيش فى هذه الظروف القاسية؛ حيث لا توجد إلا وجبة واحدة فى اليوم، والماء يصعب الحصول عليه، لكن وسط هذا كله، تحاول أن تبقى الأمل حياً فى قلوب أبنائها.
تقول: «الصغار يتمنون وجبات شهية وفاكهة، لكن فى النهاية يرتضون بطبق العدس».
ومع ارتفاع الأسعار بسبب الحصار، أصبح شراء الفواكه والخضراوات أمراً مستحيلاً بالنسبة للكثيرين.
رائحة الخبز الشهى غابت عن غزة.. فمع نقص الدقيق، بدأت «منى» فى الطهى باستخدام النيران والحطب، مضطرةً إلى تحضير الطعام تحت القصف.
وتضيف بأسلوب يمزج بين السخرية والمرارة: «نسينا أننا نساء، ننام بملابس الصلاة ليس فقط خوفاً من القصف، بل لأنه لا يوجد لدينا ملابس أخرى، فقد ذابت أغراضنا مع القصف».
أما المياه فقد أصبحت من النعم المفقودة، مما اضطر الصغار إلى المشى لمسافات طويلة لجلبها. وبعد شهر من النزوح الأول، جاءت أوامر جديدة بالإخلاء مرة أخرى، لينتقلوا هذه المرة إلى المخيمات فى منطقة المواصى، التى كان يُفترض أنها آمنة، لكن الحياة فيها كانت قاسية: «المياه تُغرق المكان، الحشرات والقوارض فى كل مكان، ولا توجد أى خصوصية».
تروى «منى» مشهداً مؤلماً، حيث تحوّل الأطفال إلى رجال يحملون المياه بدلاً من الحقائب المدرسية.
وعلى الرغم من خوفهم وفزعهم ليلاً من صوت الصواريخ، فإنهم وجدوا فى الشهادة فرحة. تحكى «منى» عن أحد أبنائها الذى فقد صديقه فى الحرب: «عندما استشهد صاحب ابنى، لم أرغب فى إبلاغه، لكن عندما علم، ضحك وقال: سبقنى إلى الجنة، يا بخته».
قررت عدم الاستسلام وبدأت من جديد بعمل الحلويات كالكعك والمعمول بأقل الإمكانياتمنى شراب
الظروف الاقتصادية المتدهورة زادت الأمور سوءاً، فزوجها المحامى لم يعد لديه دخل ثابت، ومع خروجهم من بيوتهم، لم يحملوا معهم سوى ملابس قليلة وأشياء بسيطة.
لكن «منى» قررت ألا تستسلم، فبعدما عادت إلى بيتها المدمر، بدأت من جديد بعمل الحلويات كالكعك والمعمول بأقل الإمكانيات: «نحمد الله على كل حال، عدت إلى بيتى المدمر واستصلحت جزءاً منه لأعود وأكمل مسيرتى فى الكفاح والعمل».