ما إن تقع عيناك على الكتب المتراصة والمتلاصقة عند باعة الصحف حتى تجد عناوين جذابة حول تحصيل السعادة، وتقوية الإرادة، وبلوغ النجاح المبهر، وتحقيق الآمال، والتغلب على المتاعب، وتوافر العيش الرغيد. كتب خفيفة، أغلبها أُعد على عجل، تدغدغ المشاعر، وتداعب الخيالات المجنحة، وتلاعب أولئك الذين يفرطون فى أحلام اليقظة، وبذا تتصدر دوماً قائمة الأكثر مبيعاً.
ويتعارف الناس على تسمية هذه الكتب على أنها «تنمية بشرية»، وقد زحفت لتتصدر واجهات المكتبات العريقة أيضاً، إذ إن الكتاب ينظر إليه عند ناشريه وموزعيه على أنه سلعة، وطالما هناك طلب عليها، فيجب أن يأتى العرض مكافئاً للطلب.
هنا لا بد من الاهتمام بالتنمية البشرية، ليس بوصفها مجرد طريقة فردية للانتصار على الشدائد، عبر تربية الإرادة، وتقوية العزيمة، وامتلاء الروح والسكينة والرضاء، إنما رؤية مجتمعية، ترمى إلى الأخذ بيد الجماعة الوطنية كلها إلى السعادة، وهو هدف يمكن تحقيقه إذا فعلنا ما يلى:
1- الاهتمام بالتعليم والثقافة، لإعداد مواطن قادر على التفكير العلمى والإبداعى، وتوظيفه فى حياته الخاصة، وفى تقديره لكل ما يحيط به، والقضاء على أمية من لم يحصل على فرصة التعليم، وتحفيزه على القيام بذلك مادياً ومعنوياً.
2- إثراء تواصل الفرد مع الجماعة بطريقة أخلاقية، تعلو فيها قيم التساند والتكاتف والتعاون والتآزر والإيثار، وكل ما يجعل الفرد لبنة صالحة فى المجتمع العام.
3- تحسين المستوى الصحى للمصريين، من خلال نشر أساليب الوقاية، وتوفير حق العلاج الشافى، أو الرعاية الصحية الناجعة، بواسطة شبكة تأمين صحى تشمل المواطنين كافة، وتقوم على أكتاف بنية تحتية صحية متينة وكفؤة، وإنشاء صناعات دوائية تحقق الاكتفاء الذاتى أو تقترب منه، وتحسين أوضاع العاملين فى المنظومة الصحية.
4- إقرار حد الكفاية فى الغذاء والدواء والكساء والإيواء والمعرفة، بما يسهم فى الارتقاء بجودة الحياة، وتطور الأحوال المعيشية إلى الأفضل.
5- الاهتمام بالمشردين، والأطفال بلا مأوى، وإعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع كقوة بشرية قادرة على العطاء، بدلاً من تركهم عبئاً على المجتمع والدولة.
6- العمل على وجود بيئة نظيفة، تُسهم باقتدار فى منع تفشى الأوبئة والأمراض، لاسيما المتوطنة والمستعصية الأكثر شيوعاً فى مجتمعنا، وبذل الجهد الكافى، ووضع الخطط اللازمة فى سبيل توافر جودة المسكن، باعتبار الحق فى السكن الملائم ضرورة، وتحسين وسائل النقل والمواصلات.
7- تأهيل الأفراد وإكسابهم المهارات اللازمة فى سوق العمل، والفهم المطلوب لإدراك قيمة الوقت وإدارته على نحو سليم وكفء، والتدريب على الملكات القيادية، وروح الفريق، والقدرة على تحديد الأولويات، واتخاذ القرار الصائب، وتطوير قيم ونظم وقوانين وبيئة العمل، وشروط التعاقد، بما يساعد الأفراد على أداء أعمالهم، أياً كانت مستوياتها ومجالاتها، بكفاءة وديمومة، تصنع التقدم الاقتصادى.
8- إنشاء مراكز تنمية بشرية بُغية الارتقاء بقيم وتصرفات وقدرات ومهارات الإنسان المصرى، تعمل بطريقة علمية، ويطالع القائمون عليها أحدث الأساليب فى هذا المجال، بدلاً من هذه الفوضى العارمة التى يصنعها منتج خفيف، بل هزلى أحياناً، سواء كان كتباً أم برامج، تحت باب «التنمية البشرية»، وليس هو أكثر من تلاعب بالمشاعر والعقول.