بينما نعانى إرهاقاً على الصعيد الإنسانى ونحن نتابع المذابح التى تقترفها دولة الاحتلال الصهيونى ضد أشقائنا فى فلسطين ولبنان وبواسطة العملاء فى سوريا، صرح دونالد ترامب، الرئيس الأمريكى المقبل، بأن عدم الإفراج عن الإسرائيليين الأسرى لدى منظمة حماس ستكون له عواقب وخيمة، وكأنهم مواطنون أمريكيون، ولم يتفوه الرجل بكلمة واحدة عن عشرات آلاف الضحايا العرب ومنعهم من تلقى العلاج ولا عن أزمة الغذاء والمجاعة التى تهدد جميع أبناء غزة بفعل الحصار الوحشى الذى تفرضه دولة الاحتلال، وسرقة المساعدات التى تبعثها مصر والدول الأخرى إلى سكان القطاع المهددين بالموت جوعاً.
يتفاخر مجرم الحرب «نتن ياهو» بذلك، وطبعاً بدعم عسكرى ومالى أمريكى لا محدود، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو طرح سؤال على كل من دافع عن سياسة واشنطن، «المؤمنة»، الشرق أوسطية، واعتبروها نموذجاً يحتذى، وذهبوا إلى اتسامها بالعدالة والحيادية، ومنهم الكثيرون الذى ذرف الدموع تعاطفاً مع أمريكا «الغلبانة ضحية النفوذ الصهيونى»!
مع أن إسرائيل ما هى إلا حاملة طائرات أمريكية فى الشرق الأوسط، كما توضح التطورات المأساوية التى تفرضها علينا الولايات المتحدة بأداتها الحربية الصهيونية.. وكنت من المدركين للعلاقة بين واشنطن وتل أبيب وأدخل فى نقاشات حادة مع المخدوعين فى طبيعة هذه العلاقة، حتى اندلاع حملة احتلال العراق فى تسعينات القرن الماضى، وقد رد الرئيس العراقى آنذاك صدام حسين بإطلاق صاروخ ضد إسرائيل، راح ضحيته شخص واحد، ومع ذلك عندما سئل إسحق شامير رئيس دولة الاحتلال عن ردها على صاروخ بغداد، أجاب بثقة أنه سيرد بالتأكيد، وعندها أبلغه الرئيس الأمريكى جورج بوش بأن يلتزم الخرس وحذره من الإقدام على أى رد.
وقال له إن أى رد إسرائيلى سيدفع الأغلبية الساحقة من الجنود العرب الذين أمدت بهم دول عربية الولايات المتحدة تحت ستار تحرير الكويت ستنسحب فوراً، وبالطبع رضخ الإرهابى إسحق شامير لأوامر «بوش» وكنت قد راهنت زملائى الصحفيين فى باريس على ذلك وأعرب العديد منهم عن دهشتهم حيث كانوا يتصورون دائماً أن النفوذ الصهيونى يتحكم فى أى قرار أمريكى.
وقد كشفت حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل أنها مجرد منفذ للقرار الأمريكى وليس لها أكثر من التنفيذ.
بالنظر بإمعان لسياسة الولايات المتحدة، يتضح خداع النظرية التى تروجها واشنطن، خاصة أنه لا فرق بين الحزب الديمقراطى بقيادة جو بايدن والحزب الجمهورى بقيادة دونالد ترامب، إنه نفس العداء الأمريكى للوطن العربى وفى القلب منه مصر التى تصدت بقوة لمخطط تصفية القضية الفلسطينية وتواصل توسيع دائرة الدول المؤيدة للحق الفلسطينى، وهو ما يؤجج الغضب الأمريكى لدرجة تهديد «ترامب» لدول البريكس وأى قوى تحاول الخروج من سطوة الدولة التى لا يجد لها التاريخ موقفاً صادقاً للوقوف مع الحق.