لا بد أن نعترف بداية أن «الإسلام» بكل ما فيه من تسامح وعدل ومساواة وإنصاف للمرأة يختلف كلياً عن «الممارسات الدينية».. وأننا نكاد نكون قد هجرنا ديننا الحقيقى إلى «دين مُسيس» يتلون بصبغة أصحاب المصالح السياسية، سواء إن كانوا إخواناً أو دواعش أو سلفيين أو رجعيين.. دين يختلط فيه الحق بالباطل نتيجة «الشهرة والنجومية» لمن يطرح «الفكر الدينى».. أو نتيجة غزو السفهاء للسوشيال ميديا حتى أصبح «التيك توك» الوسيلة الأشهر لدى البعض للبحث عن فتاوى سرقة الجان للذهب وفك المربوط وجلب الغائب.. وأدعية الرزق التى يقدّمها ناس من عينة «ريا وسكينة» يحدّثون الناس عن الرزق وهم يتكسّبون بعدد المتابعين وملايين المشاهدات.
الاعتراف الثانى: أننى أتحدث عن «المحتوى» وليس عن الكثرة، فما فائدة أن تطل داعية دينية، تطالب بضرب الزوجات، فى برنامج نسوى، إلا نسف كل ما قد يكون عُرض فى برامج أخرى تنهى عن «ضرب الزوجات»؟!
وبالتالى وجب شن حملة إعلامية قوية لتصحيح المفاهيم الدينية، ولا أقول «تجديد الخطاب الدينى»، فهذا طموح أكبر من آمالى فى ظل الفوضى الفكرية والدينية التى تضرب المجتمع فى كل مفاصله المؤسسية والاجتماعية، بل و«الدينية» أيضاً. حين قدّمت «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» مسلسل «الحشاشين» -رمضان الماضى- ابتهج تيار التنوير والليبرالية فرحاً بالوعى وذكاء الرسالة الدرامية، بل وتوظيف الدراما لتصحيح «أخطاء بعض الفقهاء» الذين حوّلوا الإسلام إلى كهنوت ليحكموا الوطن بشكل مباشر أو من الباطن، فإن لم يتمكنوا فرضوا وصايتهم على البشر. كلنا نتذكر معركة الطلاق الشفوى التى لم تُحل حتى الآن، ومطالبة رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» بإعادة فهم المعتقد وحرية الآخر حتى «اللادينى» فى ممارسة معتقده ومطالبة سيادته للمبدعين والفنانين بالدخول على خط المواجهة لتجديد الخطاب الدينى.. وكل هذا يؤكد أن «الإعلام» هو رأس الحربة على خط المواجهة، وهذه مهمة شاقة ومكلفة تحتاج إلى الشركة «المتحدة» بقنواتها ووسائلها الإعلامية المختلفة، لتقديم مجموعة برامج تنويرية وأعمال درامية قوية تواجه الفكر التكفيرى والوصاية على البشر وتُحرّر «المصرى» من سطوة من يتلاعب بالدين ويخلطه بالأوهام والخرافات حتى يضيع جوهر الإسلام ولا يبقى منه إلا زواج الجنى من الإنسية ودعشنة «الجهاد» ليصبح سيناريو لغزو الأوطان وتفتيتها، طمعاً فى نيل «حور العين» والجنة المفبركة لصاحبها «حسن الصباح»!! أنا شخصياً أريد عالماً متجرّداً من الأهواء مثل الأستاذ الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، يجتهد ويواجه تعنّت البعض، مؤكداً أن الطلاق الشفهى لا يقع، ويصدر كتباً ويخوض معارك فكرية من أجل «حق السعاية لربة المنزل»، أو إنصاف الإناث فى الميراث.. إلى آخر القضايا الفقهية التى تجمّدت وكأنها تهز «عرش» من أطلق فتاوى.. وعادة ما يكون صاحب الفتوى الظالمة محمياً بالثروة والنفوذ!! الساحة الفكرية يجب أن تتّسع للجبهتين: «جبهة الأوصياء» على الدين، التى تدعم فكرة «الرمز» لتُضفى قداسة على علماء الدين، وترمى معظم المثقفين بتهمة «الإلحاد».. وبين جبهة التنويريين، التى تُعلى قيمة الدين على الوصاية وتسعى لتحرير الإنسان. فمن منا يملك «شجاعة» تمكنه من رفض «إسلام الفقهاء» الذى نتبعه كالقطيع؟، ليتورط فى تهم من عينة: (الانضمام إلى جماعة القرآنيين، ورفض السنة كمصدر ثانٍ للتشريع الإسلامى). إنها تهم تحرّض على المطالبة برأسك، أو -فى أحسن الأحوال- بالحجر عليك! لقد سلّمنا عقولنا -طواعية- لنجوم التطرّف، نأخذ عنهم «إسلام السوشيال ميديا» المعلب فى دولارات «يوتيوب»، دون أى مراجعة لرائحة المصالح، التى تفوح من «مباخر علماء» يفصّلون الفتوى على مقاس انتمائهم المؤقت! حتى أصبح قانون «مصادرة الآخر» منهجاً فكرياً لديهم، ومن لم يتعظ ببرامج «الترهيب»، ينتظره مصير الدكتور نصر حامد أبوزيد «النفى من الوطن».
أن تنقى المجتمع من الإرهاب فتلك مهمة الجيش والشرطة، أما تنقية المجتمع من «الفكر الإرهابى» فهذه مهمة «الإعلام والثقافة».. قد تكون «المتحدة» وحدها هى القادرة على نشر حقيقة الإسلام ووسطيته الآن فى مواجهة من يصرون على تصدير فتاوى (زواج القاصرات وتعدّد الزوجات، وسرقة الآثار «فتوى الركاز»).. باعتبارهم «ورثة الإخوان» لحكم البلاد، ووكلاء الله على الأرض.. ومن هنا يُروجون لمقولة: «لحوم العلماء مسمومة»!
مصر تستحق أن تكون منارة لدين الله «الربانى» دون ترهيب أو جلد لمن يفكر أو سجن لمن يخالف عقيدتنا أو نفى من الوطن لمن خالف «القطيع». حين نجرؤ على عرض «مناظرة» فكرية بين الليبرالى والسلفى.. ونتحمّل مسئولية «حرية الرأى» ونترك الاختيار للمشاهد أو المتابع لأى تيار منهما نكون قد نجحنا.