يبدو أن الرئيس الألمعى دونالد ترامب قد استشعر تقارباً لفظياً فى اللغة العربية بين (حمو) و(حمامة)، فاختار لنسيبه رجل الأعمال مسعد بولس دوراً يقارب وضعه العائلى المتميز، فجعله «حمامة» سلامه إلى العرب، مستفيداً فى ذلك من أصوله اللبنانية ليكون «مستشاراً رفيعاً للشئون العربية وشئون الشرق الأوسط».
وسبق أن استفاد «ترامب» من قدرات صهره فى التأثير على العرب، حيث كان له دور بارز فى حصوله على نسبة جيدة من الأصوات العربية فى الولايات المتأرجحة، التى كان لها عامل الحسم فى فوزه الكبير بسباق الانتخابات الرئاسية والتى انتهت لصالح ترامب مطلع الشهر الماضى.
ومسعد بولس هو والد مايكل زوج تيفانى ابنة ترامب من زوجته الثانية مارلا مابلز.
وقد وصفه ترامب بأنه «صانع صفقات»، وقدمه على منصّته «تروث سوشيال»، بأنه «محام لامع ورجل أعمال رائد يحظى باحترام كبير، ويتمتع بخبرة واسعة النطاق على الساحة الدولية».
وقد أكد مسئولون فى حملة الرئيس أن مساعدة بولس أسهمت فى فوز ترامب فى انتخابات ولاية ميشيغان، حيث عمل على إقناع الأمريكيين من أصول عربية أو مسلمة فى الولاية، وعددهم نحو ثلاثمائة ألف شخص، بانتخاب المرشح الجمهورى، وأغلبهم كانوا فى انتخابات 2020 من داعمى المرشح الديمقراطى، وكان مدخله لإقناعهم، هو معارضتهم لسياسات بايدن تجاه إسرائيل وغزة ولبنان.
وكانت «رويترز» قد نقلت عن مصدر لبنانى، أن بولس ترشّح فى انتخابات مجلس النواب اللبنانى سنة 2018 مع مرشحين مُوالين لـ«حزب الله»، وأنه يتمتع بجذور قوية فى كل من أمريكا ولبنان، موضحة أن والده وجده كانا من الشخصيات البارزة فى المشهد السياسى اللبنانى، بينما كان أصهاره من الداعمين الرئيسيين لحركة «التيار الوطنى الحر»، وهى حزب مسيحى تحالف لفترة مع «حزب الله»، أيضاً.
وبعد قرار تعيينه المفاجئ نجحت مجلة «لوبوان» الفرنسية فى التواصل معه لاستطلاع وجهته فى التعامل مع الشرق الأوسط وأزماته وتحدياته، وقد عرفته المجلة بأنه جمهورى يبلغ من العمر 53 عاماً، وجمع ثروته من بيع السيارات فى نيجيريا، فيما استهل بولس حديثه، معبراً عن «تشرفه بالتعيين وكونه جزءاً من فريق ترامب»، مشيراً إلى أن العمل فى منطقة الشرق الأوسط مسئولية كبيرة، وأوضح أن رؤيته تتمثل فى تحقيق السلام الدائم فى المنطقة، وأن أمامه 4 سنوات يأمل أن يحقق فيها شيئاً مستداماً للمستقبل والأجيال القادمة.
وقدم الموقع الإلكترونى لقناة «الجزيرة» ترجمة وعرضاً للحوار أنصح المهتمين بالاطلاع عليه كاملاً، حيث تنقل بولس فيه بحذر شديد بين ملفات المنطقة المشتعلة، مشيداً فى البداية باتفاق الهدنة فى لبنان، وأنه «شامل للغاية ويغطى جميع النقاط الضرورية، ويتعامل مع البلد بأكمله، مع نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة والميليشيات والمجموعات شبه العسكرية».
فيما رفض بولس الحديث عن موقف بلاده من الأزمة السورية وتعاملها مع الرئيس الأسد، لأن «الأمر معقد للغاية فى سوريا، والأحداث تجرى بسرعة كبيرة، ويمكن أن تتغير من ساعة إلى أخرى».
وعند سؤاله عن إنذار ترامب لحماس وتهديده لها، أوضح مسعد أن «الرئيس يعتقد أنه يجب إطلاق سراح المحتجزين على الفور ولا ينبغى ربط مصيرهم بمسائل أخرى تتعلق باليوم التالى فى غزة».
وقد أثار هذا الجزء الخاص من حواره والمتعلق بعدم ربط وقف إطلاق النار فى غزة، مع مسألة الإفراج عن الرهائن صخباً سياسياً كبيراً، وعزاه البعض استكمالاً للتعامل الغاشم من الولايات المتحدة الأمريكية مع هذا الملف، والذى ظهر فى المجاز الترامبى، بتحويل الشرق الأوسط إلى «جحيم» حال عدم الإفراج عن المحتجزين قبل 20 يناير القادم.
واستطرد «بولس» فى حديثه الصحفى عن «السلام الإبراهيمى» أو «اتفاقات إبراهام» كما نطقها، باعتبارها أولوية الإدارة الأمريكية الجديدة ومدخلها لإطفاء حرائق الشرق الأوسط، مع رفض قاطع من ترامب لامتلاك إيران للسلاح النووى، وهو ما يؤكد أن إدارته ستمارس «أقصى قدر من الضغط» عليها، بحسب ما أوضح مستشاره للشرق الأوسط.
لست مستبشراً بمسعد، رغم اسمه الباعث على التفاؤل، كما أنى لست متشائماً، بل واثق من قدرته ويسبقه رئيسه المنتخب على إحداث فارق جذرى فى الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع القادمة، لكن لا أظن أن هذا التغيير سيصب فى صالح المنكوبين والمظلومين فى هذا الإقليم، فظاهر ما يهرول إليه الجميع فى أطروحاتهم هو إرضاء إسرائيل وحماية أمنها ورعاية طموحها التوسعى على حساب ما تبقى من أراض فلسطينية، مع تعظيم الاستفادة بأقصى قدر ممكن من ثروات المنطقة، وبخاصة فى مجال الطاقة (نفط وغاز).
وهذا التوجه للأسف، لن يحقق سلاماً عادلاً أو استقراراً دائماً.