«البؤس الدائم فى مصر واستقرار نظام السيسى السياسى»
كان ذلك عنوان مقال تحليلى كتبه الباحث آريك تراجر المختص بالشأن المصرى وجماعة الإخوان إلى جانب منطقة الشرق الأوسط، وصف الباحث الذى عايش فى القاهرة أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، الوضع فى مصر بالأكثر قمعاً فى تاريخها المعاصر، وأسند ذلك لعدد القتلى والمسجونين غير الرقابة الصارمة التى فرضها النظام على الإعلام والمجتمع المدنى والتظاهرات المعارضة، واستطرد «تراجر» وصفه القصة الحزينة بمصر انتهاء باغتيال النائب العام وتفجير القنصلية الإيطالية.
«تراجر» أكد فى تحليله أن النظام اعتمد فى ذلك القمع على إصدار القوانين الصارمة إلى جانب أحكام الإعدام التى صدرت بحق الإخوان وستنفذ سريعاً، ثم أعقب ذلك بأن رد الإخوان جاء تأييداً للهجمات التى طالت البنية التحتية والتفجيرات التخريبية مثل أبراج الكهرباء، تأييداً فقط على حد وصفه.
وعلى الرغم من وصف «تراجر» للوضع الأمنى فى مصر بالقاتم، فإنه أكد أن النظام السياسى الحالى هو الأكثر استقراراً مما كانت عليه مصر فى السنوات القليلة السابقة على عكس أنظمة انهارت أمام احتجاجات الربيع العربى الواسعة التى انقسمت أمامها أنظمة عديدة.
ولقد علل «تراجر» استقرار النظام السياسى وتوحيد الصف الداخلى للسيسى بخوف مؤسسات الدولة وجماعات المصالح من الإخوان المسلمين معتقدين أن فى عودة الإخوان موتهم.
لن أفرد مجالاً واسعاً للرد على تحليل «تراجر»، إلا أننى سأتوقف عند الحقيقة الوحيدة التى أوافقه فيها، والتى أراها سبباً لتراجعنا وإن استمرت ستكون سبباً لهلاكنا.
نعم توحد المصريون ضد الإخوان، وهذا النوع من الاتحاد يعرف بالتعصب السلبى وهو هادم لا ينتج غير الفرقة والتأخر.
أصبحت الكراهية هى الدافع السائد لاتفاق المصريين حول فكر ما أو مجموعة، ربما ظهر ذلك فى تعصبهم الأخير تجاه فريق معين لكرة القدم كما حدث فى المباراة الأخيرة بين فريقى الأهلى والزمالك، كان التشجيع هادفاً لخسارة الفريق الآخر وكراهيته أياً كان.
ربما أعود سنوات عندما تعصب الكثيرون لانتخاب «مرسى» كرهاً فى الفريق «شفيق»، وجنينا جميعنا ويلات ذلك التعصب الإيجابى والسلبى.
يرجع الاختلاف إلى وصف التعصب ذاته، فطبيعة الارتباط التى تجمع بين أفراد الجماعة أو أنصار الفكرة المعينة هى التى توصف بالسلبية أو الإيجابية.
فإذا كان ما يربط بين الفرد وما يتعصب له مزايا يجدها فى الكيان ذاته، ما يخلف شعوراً بالحب والاقتناع، كان ذلك ارتباطاً إيجابياً يمكن أن نسميه توحداً.
أما إذا كان ارتباط الفرد بما يتعصب له نابعاً من كرهه لكيانات أخرى موجودة بالساحة ذاتها أو جاء ارتباطه بكيانه كرهاً أو خوفاً من آخر، فإن عوامل الربط هنا تكون سلبية
التعصب السلبى ينتج الانشقاق والفرقة.
لا يمكن أن يستوى من تأسست علاقاتهم على عوامل توافق بينهم يبحثون عنها وإن لم تكن ظاهرة مع آخرين تقوم حياتهم على الخوف من آخر أو كراهيته.
من المؤكد أن من يبحث عن التوحد يظل سعيه حثيثاً لضم المزيد من الأفراد والكيانات على عكس من تعصبوا كرهاً لآخر فقامت حياتهم على السعى نحو الفرز والاستبعاد، وهو ما يؤدى بالكيانات المتعصبة سلبياً للتآكل والاستهلاك والانشقاق.
إذاً لن نتوحد ضد الغرب أو ضد ما يقوله السيد «تراجر»، يجب أن ندرك أن لنا أرضاً ووطناً يدفع آخرون لاختراقه وإضعافه، علينا أن نحميه ونحيا لرفعتنا ورفعته.