الإشكالية ليست فى وطنية الكثير من النخبة والإعلاميين التى تقتضى تخوين الآخر وإبعاده، بل فى أثر وطنيتهم على الجمهور بطبيعتيها الكاذبة والسطحية، والتى تُفضى فى النهاية إلى تأكيد الفجوة بين الدولة والشباب المتمرد والثائر والمعارضين من جهة وبين جعل مشروع مهم أُنجز فى وقته مثاراً للجدل واحتمال وجهتى نظر متضادتين إما منقذنا أو «فنكوش».
هناك وجاهة فى أن تتبع الجماهير الهيصة وتستسهل الفرح دون جهد وترفع الأعلام وتبكى طرباً لأمان تحتاجه ولا تقدر على دفع ثمنه، كما أن هناك وجاهة أيضاً لساخط غاضب فى كونه لا يرى فى أرض قهرته سوى القبر راحة وآخراً لرحلته، أما من كان قوتهم من تبصير الناس وتنويرهم فدفوف «مصر بتفرح» عار عليهم، هؤلاء يحتاجون منا لمراجعة ولا فرق بين إعلامى أو مثقف كبير سناً له تاريخ فى القرع، وبين إعلامى شاب، غير أن الأخير ينتظره عمر طويل قرر أن يقضيه قارعاً للطبل وهو أولى بالمراجعة، هؤلاء يتركون الجمهور بين مؤيد عالة تايه أو متنطع متفاخر بكسب غيره، أو آخر مقهور يقف منتظراً دوره ليتحقق فيستغله آخرون ليكون أداة هدم واختراق للمجتمع ويضعفنا به أكثر.
للدولة دور، ولمن يبصر منّا دور، وللجمهور الأكثر وعياً دور أيضاً.
اليوم، تقوم مؤسسات الدولة -الرئاسة مثالاً- بتقريب الكثيرين من العاملين بالإعلام والصحافة والنخب وتجتهد لتحظى بعلاقة جيدة مع غالبيتهم، وعلى الرغم من أن الشمول يلغى الامتياز وهو أمر له وجاهاته، فإنك على ما يبدو تجد أصحاب المهنة التى يجب أن تسعى لتنوير المواطن وخدمته اكتفوا بمشاركة هاشتاج «#مصر_بتفرح» بمحتوى فارغ غير قادر على نقل الفكرة لغير معتنقيها، فقد أرادوا أن يحققوا هدفين:
- أن يثبتوا للسلطة التى تمثلها المؤسسة ولاءهم وحفظ الجميل غير أهليتهم واستحقاقهم لقربهم منها.
- أن يعلنوا لأقرانهم عن وجودهم ويصبحوا عصبة دون محاولة لاختراق المترددين وجذبهم ودمجهم فى نسيج واحد.
يبدو الجمهور أكثر وعياً.
يُعرض الجمهور عن الإعلام ولا يثق فيما يقدمه ويعلن رأيه بصراحة شديدة فى القائمين عليه، ومن يراجع تفاعل الجمهور مع ما ينشر أو يبث عبر الإنترنت أو تجمعه صدفة بأحد الإعلاميين وسط جمهور بمكان عام، سيبهره تجاهل العامة للنجم الذى يتشدق ليل نهار بتأثيره الواسع.
نبقى نحن من نعمل بالمهنة ذاتها وأحسب نفسى ممن يكرهون الصوت العالى ويدركون ضعف مصدره واضمحلال أثره، أن نعلى من شأن مهنتنا ونقبض على الاختصاص. فالإعلام والدعاية وإدارة العقول والتسويق هى علوم لها أصولها وحساباتها إلى جانب بعض من عقل وضمير يقدم مصلحة وطنه وشرف مهنته عن الجمع بين ثلاث وظائف مرة واحدة بقبضه على شبكة مصالح لا تخدم غير أعضائها المخلصين.
هناك دوماً ما هو أهم من البرنامج الإصلاحى للحكام فالجمهور يهتم أكثر بصورة الحاكم فى الأذهان، سمته، طريقة كلامه، مشيته، مراقبة ملامح وجهه حين يكتسى بالصرامة والجدية، أو عندما يمزح، ليس غريباً أن يهتم الجمهور بقفزة السيسى الشابة جداً كما وصفها الإعلام ونالت استحسان الجماهير.
انجذاب الجماهير لشخصية الزعيم يفوق فى الأهمية اقتناعهم ببرنامجه الإصلاحى، وإعجابهم بشخصيته يلفتهم فى أحيان كثيرة عن اتجاهه الفكرى أو السياسى؛ الذى قد يأتى فى مرحلة لاحقة، لكن البداية تكون بانجذابهم لشخص الزعيم نفسه، أو ما يُعرف بالكاريزما.
مما سبق نخلص إلى أن الشعوب فى الأساس لديها الاستعداد الكامل للتغييب، الذى إن تمادينا فيه ببركة نخبنا وإعلامنا فطريقنا إلى القاع لسقوط أسرع، لذا الدولة ليست بحاجة إلى ذلك القدر الكبير من تهليل المؤيدين فلديها معارضون وطاقات تدرك أنها تعيش فى وطن لا يجد فيه الفقير ثمن الدواء، علينا جميعاً إن لم نعمل لأجله أن نترقب غضبه فهو مقبل.