أصدرت لجنة التخطيط، التابعة للجنة العلوم الأساسية بالمجلس الأعلى للجامعات، مجموعة من التوصيات لتطوير كليات العلوم لعام 2015، نشرتها جريدة «الوطن». وهى توصيات جديرة بالمناقشة.فى البداية لا بد أن نقرر أن اللجنة فعلت خيراً حين توجهت إلى تطوير هذه الكليات المسئولة عن تكوين قاعدة علمية يمكن أن تسهم فى تحقيق نهضة نحلم بها لمصرنا، وتجربة العقود الماضية تشهد أن هذه الكليات المهمة تعرّضت لإهمال كبير، وانخفض الطلب عليها، وكذلك الطلب على خريجيها، إلا فى إطار مهنة التدريس، رغم أن الشباب الذى يدرس فى هذه الكليات يعد لمهمة غير ذلك.حزمة التوصيات التى قدمتها اللجنة كانت متميزة للغاية فيما يتعلق بالحديث عن تطوير أنظمة الدراسات العليا والبحث العلمى، وتحديد شروط التحاق الطلاب بهذه الكليات، وإنشاء معامل حديثة، وغير ذلك من أمور جديرة بالفعل بالالتفات إليها وتطويرها، ليس داخل كليات العلوم فقط، بل داخل كل التخصصات بالجامعات المصرية. ربما ذهب البعض إلى أن اللجنة لم تأتِ بجديد فى هذا السياق، وإنما قدمت توصيات عامة، تنطبق على كليات العلوم، كما تنطبق على غيرها، ولست أجد غضاضة فى ذلك من منطلق أن الإعادة إفادة.ما يدفع إلى التوقف أمامه فى تلك الحديقة الغناء من التوصيات المفيدة التى قدمتها لجنة التخطيط بالمجلس الأعلى للجامعات، يرتبط بطريقة تعيين أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة لهم. أوصت اللجنة فى هذا السياق بـ«أن يتم تعيين المعيدين والمدرسين المساعدين، بطريقة تنافسية، من بين أوائل الخريجين بالكليات، وتعيين أعضاء الهيئة الحاصلين على درجة الدكتوراه بالإعلان، وطبقاً للتخصص المطلوب، وبمعايير واضحة مع إتاحة فرصة للتنافس بين خريجى الجامعات المختلفة، وتطبيق القواعد المعمول بها عالمياً فى اختيارهم وتقييم أدائهم دورياً وربط الاستمرار بالمؤسسة التعليمية بالكفاءة»، ليس ذلك فقط، بل نصت التوصيات أيضاً على ضرورة «تطوير التشريعات التى تؤكد استقلال الجامعات وعدم ولاية القوانين العامة للعاملين بالدولة عليها». وأخشى أن يكون الهدف الأهم من هذه التوصيات يتمركز حول هذا الجزء المتعلق بتعيين أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، وأن تكون بقية التوصيات الجميلة الأخرى لا تعدو محاولة لـ«تحلية» لدواء مر!التوصية الخاصة بالتعيين تنطوى على قدر كبير من اللخبطة، فلست أفهم ما الطريقة التنافسية التى يمكن الاعتماد عليها فى تعيين أوائل الخريجين، أو ليس ترتيب الخريج على الدفعة يقع فى سياق التنافس، ويثبت أنه أفضل من غيره وأحق بالتعيين فى وظيفة معيد؟ قد يقول قائل إن التعليم الجامعى قائم على الحفظ والاسترجاع، والترتيب على الدفعة لا يعنى الكفاءة بحال، وهذا كلام سليم، لكن تصحيح النظام المعوج هو الأولى بالتركيز، لأن هذا الكلام يدلل على أن العلة ليست فى اختيار المعيدين طبقاً للترتيب على الدفعة، بل فى النظام التعليمى الضعيف الذى أتصور أن التوصيات المتميزة التى قدمتها اللجنة فيما يتعلق بتطويره كفيلة بوضعه على طريق إصلاح، بحيث يفرز الأكفأ بطريقة مباشرة، وليس اعتماداً على أمزجة أعضاء لجان يمكن أن يظلموا شباباً مجتهدين، تعاقبهم الجامعة على التزامهم بقواعد النظام العقيم الذى تعلموا فى إطاره، نظام الحفظ والاسترجاع، ولو أنهم حادوا عن شروط هذا النظام، واجتهدوا لقصمت النتيجة ظهورهم، لأنهم ببساطة خرجوا على النظام!ولست أرى بأساً فى تعيين الحاصلين على درجة الدكتوراه بالإعلان، لكن كل ما أخشاه فى هذا السياق التجارب المرة المرتبطة بتفصيل الإعلانات على مقاس المحظوظين، وتدخل التفضيلات والأمزجة الفردية فى الاختيار، ولدىّ سؤال فى هذا السياق، خصوصاً أن التوصية المتعلقة بالتعيين تطرقت إلى موضوع «استقلال الجامعات»، والسؤال هو: ماذا لو انطبقت الشروط المطلوبة فى أحد الإعلانات على شاب حاصل على درجة الدكتوراه واختارته اللجنة المكلفة بذلك، ثم اعترض عليه الأمن؟ ماذا ستفعل اللجنة الموقرة، أو الكلية الغراء التى سيعين فيها مع موضوع «استقلال الجامعات»؟. فى حدود علمى ما زالت تقارير الأمن تمثل أداة أساسية من أدوات التعيين فى الوظائف الجامعية، وأرجو ألا يُفهم من ذلك أننى أريد أن يعين فى الجامعة أشخاص عليهم تحفظات أمنية، لكن كل ما أخشاه أن تتدخل التصنيفات السياسية فى تحديد المصائر، وهو أمر عانينا منه سنين فيما سبق، ونتمنى ألا يتكرر.أما الحديث عن تطبيق المعايير العالمية فى اختيار أعضاء هيئة التدريس، فكلام يمكن وصفه بـ«اللذيذ»، وجوهر لذته أنه كلام لا يصح أن يرفضه عاقل، فجميعنا يتمنى أن تصبح جامعاتنا فى مستوى الجامعات العالمية، لكن هناك سؤالاً ألذ من هذا الكلام، جديراً بالطرح: ما المرتب الذى ستعطيه الجامعة لذلك العضو الذى اختارته طبقاً للمعايير العالمية؟ هل ستمنحه مرتباً عالمياً؟، بعبارة أخرى هل ستعطيه المرتب الذى يحصل عليه نظيره فى الجامعات العالمية التى طبّقت معاييرها؟! الأمر الأخير الذى أريد أن أتوقف أمامه يتعلق بموضوع استقلال الجامعات الذى تبنت اللجنة مفهوماً مثيراً له، إذ يعنى الاستقلال من وجهة نظر أعضائها التخلص من ولاية قوانين العاملين بالدولة على الجامعات، حتى يتم استبعاد من تريد الجامعة استبعاده، أو فصل من تريد فصله، دون أن تمكنه من اللجوء إلى القضاء وإلى قوانين العاملين بالبلاد، ليرد عن نفسه ما قد يظن أنه ظلم وقع عليه. ويعنى ذلك أن أعضاء هذه اللجنة يرون أن لجان التعيين ستتشكل من ملائكة لا تزل ولا تخطئ، ولا تزيغ ولا تميل.أنا لست أزعم أنهم ليسوا كذلك، ربما كانوا بالفعل ملائكة «يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ».