ربما يوجد منا من لا يلقى اللوم على السيد محافظ الإسكندرية، ويقول عليه: «مظلوم».. وربما يوجد منا من يكشف رأسه ويدعو ويقول: روح يا شيخ الله «يعمر» بيت اللى شغّلك.. فى كل الحالات هو لا يلام، لأن أبسط شروط الكفاءة لمهمة المحافظ، وهى أن يكون على دراية كافية بالمحافظة، غير موجودة.. لا أقول إنه شرط أن يكون من أبنائها، ولدينا أمثلة مبهرة على ذلك، فاللواء سمير فرج لا يمت للأقصر بصلة، ولكنه تسلّمها قرية ساذجة متواضعة تابعة لمحافظة قنا وتركها مدينة برّاقة ومحافظة مستقلة تُفرح القلب، ووصل إشغالها السياحى فى شهر مايو عام 2009 إلى أكثر من 90٪.. والمثل الآخر هو اللواء عادل لبيب وهو لا يمت بصلة لمحافظة قنا وأيضاً تسلمها قرية متواضعة جداً غاية فى البؤس -وأنا شخصياً شاهد عيان- وتركها مدينة جميلة لها كورنيش مزروع بالورود لا ترى بطوله ورقة ملقاة على رصيف.. لكن يبدو أن اختيار محافظ الإسكندرية كان بسبب أنه قادم «طازة» من بلاد الأمريكان بعد سنوات طويلة، والذى اختاره تخيل أن الخواجة يفهم أكثر منا نحن المتخلفين فى مصر، وكذلك أيضاً من يعمل عند الخواجة سنوات أكثر يفهم أكثر «برضه».. وتخيل أن القادم من «ريحة الحبايب» سوف يجعل من الإسكندرية مانهاتن الجديدة.. ولكن خاب الظن وخابت حكمة «إن اللى ييجى من الغرب يسر القلب».. وانهارت الإسكندرية، وبدلاً من أن تكون كما نطلق عليها «عروس البحر المتوسط» تحولت إلى أرملة حزينة ترتدى السواد وتلطم خديها على مصيرها الأسود.
الحق يقال: الإسكندرية منذ فوضى يناير وهى تعانى من تعديات بناء رهيبة، بناء أبراج عشوائية غير مرخصة وصلت أعداد أدوار بعضها إلى أكثر من عشرين دوراً بلا أساسات ولا صرف ولا مياه ولا كهرباء، ثم قام من بناها بتوصيل كل هذا بنفس الأسلوب العشوائى، وكان هذا عبئاً على الشبكة التى لم تكن متهالكة كما برر السيد المحافظ وغيره.. ولكنها تحملت أكثر من قدراتها، وربما تكون هذه الأبراج العشوائية التى انهار عدد منها غير قليل هى السبب الأول فى المأساة.. فى عيد الفطر الماضى شاهدت على الشاشات أكواماً من القمامة بطول شاطئ قلعة «قايتباى» المزار السياحى الأكثر شهرة بالإسكندرية، والسيد المحافظ مش هنا.. وتعددت الصور من المحافظة: ها هى تلال القمامة فى كل مكان بلا تفرقة بين الأماكن الشعبية والراقية، حتى اختنقت الإسكندرية تحت تلال القمامة قبل أن تأتى النوّة فتدفع بالقمامة إلى البلاعات التى لم تر صيانة، فتفيض المياه وتغرق الإسكندرية هذا الغرق المخجل، وتدمر هذا التدمير المأساوى.
وهذه هى الثقافة الأمريكية التى أتى بها هذا المحافظ.. جاء إلى الإسكندرية والخواجة «جينيس» يسيطر على عقله وقلبه، أخذ يبحث عنه فى الإسكندرية، وعن موسوعته، وبدلاً من إزالة القمامة.. قرر أن يدشن أطول مائدة إفطار فى العالم ليدخل بها موسوعة الخواجة، وبالطبع بدلاً من دخول الموسوعة دخل سيادته فى «حيطة»، وكانت أطول مائدة فاشلة أقوى فشل.. وبدلاً من الالتفات لعربات الترام العتيقة المتهالكة وإصلاحها، وهى من المعالم الجميلة لمدينة الإسكندرية، أخذ منها واحدة وعملها «قهوة».. سورى «كوفى»، عملها «ترام كوفى»، وجاءت الكارثة فقتلت العربات المتهالكة أهل الإسكندرية، وحتى «الترام كوفى» ولعت هى كمان أثناء الكارثة.. وهكذا فشل اختيار السيد المحافظ وفشلت الحيثيات، فليس كل شاب «كيوت» قادم من أمريكا وبيلبس شيك ونظارته تجنن يستطيع تحمل مسئولية مدينة عمرها ألفا عام.. مدينة شاهدة على حضارة الإسكندر والرومان والعرب والمماليك ومحمد على وعبدالناصر.. مدينة هى أجمل ثغور المتوسط.. ملهمة الأدباء والشعراء.. جميلة الجميلات.. الإسكندرية العظيمة المثقلة بالمشاكل والفوضى.. مرة أخرى، أنا لا ألوم المحافظ، ولكن ألوم من اختاره لهذه المهمة وهو ليس أهلاً لها.. إنما هو قام بما أملاه عليه هواه وغرامه بالخواجة «جينيس».. وحصل فعلاً على مكانة فى الموسوعة الأمريكانى.. وهى «أفشل محافظ فى تاريخ الإسكندرية».. لكن عموماً الحمد لله.. دخل أخيراً موسوعة «جينيس» بقدراته هو فقط وبلا أى مساعدة.