من الخضار والفاكهة إلى «محلات العطارة» الأسعار «تضرب» المواطن أينما ذهب
من الخضار والفاكهة إلى «محلات العطارة» الأسعار «تضرب» المواطن أينما ذهب
عم «محمد» فى أحد أسواق المطرية
الأسعار «تضرب» المواطن أينما ذهب للحصول على طعام أو شراب، فى أسواق الخضار أو الفاكهة وصولاً إلى محلات العطارة، الغلاء لم يستثن شيئاً من الفقير إلى متوسط الحال، وحتى الميسورين. وكعادته استيقظ مبكراً فى الصباح، فقد اعتاد النزول إلى السوق القريبة من منزله فى «المطرية»، يخرج نشيطاً إلى بائع الخضراوات، يشترى ما يريد، يطمئن إلى وجود بعض الجنيهات فى مستقرها داخل جيب جلبابه الرمادى، ثم يقف أمام الفرشة يطلب «حزمتين جرجير وحزمة نعناع»، متفاجئاً بالثمن الذى طلبه البائع: «حسابك 6 جنيه يا حاج محمد».
عم «محمد»: أشترى حزمتين الجرجير والنعناع بضعف الثمن و«منيرة»: «راضيين بنصيبنا.. وعايزين الحكومة تحس بينا»
محمد سيد، مواطن بسيط، لم يتردد كثيراً فى قراره بترك «حزم» الجرجير والنعناع، فما فى جيبه لا يتعدى 3 جنيهات، والصدمة ألجمت لسانه، متسائلاً فى حسرة، «ليه يا ابنى الغلا اللى انت فيه ده، هى الحزمة بكام، ما على طول الحزمة ببريزة وكل اللى طلبته ميجبش جنيه؟!»، يرد عليه البائع قائلاً: «انت مش عايش فى الدنيا ولا إيه يا حج، كل حاجة ولعت، التاجر اللى بشترى منه غلّا عليا وبقيت أجيب الـ100 حزمة بـ200 جنيه بعد ما كنت بجيبهم بــ20 و30 جنيه، وكل مكسبى فيهم نص جنيه». ويقف الرجل الستينى متعجباً من الحوار، فهو لم يفهم مبررات البائع جيداً عم «محمد»، متسائلاً فى نفسه بصوت عالٍ: «هو إيه الدولار ده؟ هو إحنا ناقصين غلا حتى فى حزمة الجرجير ولا النعناع مش كفاية اللحمة اللى بقت من السنة للسنة آكلها فى العيد بس، وكل ما حد يفهمنى الدنيا غليت كده ليه يقولولى الدولار، شكله إيه الدولار اللى بيقولوا عليه ده؟».
لم ير عم «محمد» من قبل الدولار، لا من قريب ولا بعيد، فهو يسمع عنه فقط فى التليفزيون مثلما يسمع فى السوق، لكنه لم يره أبداً فى حياته: «بقالى 67 سنة عايش فى الدنيا وعمرى ما شفت الدولار ده فى حياتى، دايماً بسمع إن فيه أزمة للدولار، لكن ولا شفته ولا عايز أشوفه، لأنه وكسنا وعلى طول الحاجة مولعة بسببه ومش عارف لحد إمتى؟».
ويضيف «العم محمد» بابتسامة: «طب إحنا الغلابة نروح فين من الدولار، دى فلوس الناس الأكابر لكن إحنا مالنا بيه، واحد زيى لا عمرى شفته ولا عايز أعرفه، وبقيت أشترى حزمة الجرجير اللى بجنيه بـ2.5 جنيه بسببه، هو الدولار مش شاطر غير على الغلابة، حتى السجاير الكليوباترا بتاعت الشعب غليت علينا وبقيت أشتريها فرط زى العيال».
أزمة الدولار حاصرت حياة «عم محمد» بأكملها، بدءاً من علاجه الذى لم يجده فى الصيدليات إلى حزمة الجرجير التى زادت الضعف: «دخلت السوق عشان أجيب خضرة ناكلها جنب الفول ألاقيها بقت بأضعاف تمنها وشكلها كأنه متاكل قبل كده ويقولولى بسبب أزمة الدولار». يتذكَّر الحاج «محمد» «أيام العز» وقت أن كان «الجنيه بيجيب كل حاجة»، باحثاً فى محفظته المتهالكة على فلوس يشترى بها باقى طلباته: «ده حتى المحفظة اشتكت من الدولار اللى معرفوش ولا عمرى شفته، إحنا ناس على قد حالنا وواحد زيى كل معاشى 150 جنيه، أكفى بيتى منين؟ وأنا مليش فى الدولار ولا غيره، وكل اللى بشوفه الكام جنيه اللى بعيش عليهم طول الشهر وربنا ساترها معايا، بس لما توصل الخضرة للأسعار دى تبقى كارثة، والغلبان اللى زيى اللى مظلوم فيها ومحدش حاسس بينا». الأزمة التى يعانى منها «عم محمد» شاركته فيها منيرة عبدالحليم، التى عانت بصورة كبيرة على مدار الأسابيع الماضية من شراء احتياجات منزلها وهى تقول متحسرة: «الحاجة كلها غليت بنسبة الضعف ومفيش حاجة بترخص، بنروح السوق علشان نجيب شوية خضار أو فاكهة نرجع نفسنا مسدودة»، مستدركة بابتسامة لا تفارق وجهها: «الواحد أخد على الأسعار الغالية خلاص وراضيين بنصيبنا، محدش واخد منها حاجة ومفيش أحلى من الضحكة، بس إمتى الحكومة تحس بينا؟». الأزمة وصلت إلى «العطارة» أيضاً، محمد المصرى، صاحب محل عطارة، تأثرت حركة البيع فى محله خلال الشهر الماضى، فأغلب الأعشاب والمنتجات التى يبيعها زاد سعرها دون إرادة منه: «الغلاء مسبش حد فى حاله، الناس كلها فاكرة إنى البياع اللى بيغلى عليهم وإحنا زيهم وأكتر، الحاجة كلها غليت ومبقتش عارف أبيع زى الأول»، يضيف: «علشان ما أزودش السعر بقيت أقلل الكمية، لكن الزبون زعلان برضو، وبصراحة حقه، اللى كان بيجيبه بـ5 جنيهات هيجيب نص الكمية دلوقتى بنفس السعر».