غزت شوارع القاهرة سيارات أجرة ما يسمى «بالتاكسى البامبى أو تاكسى الحريم»، وحاولت الشركة المالكة الترويج لهذا المشروع بالادعاء بأنه يساهم فى حل بعض المشكلات للمرأة، لا سيما التحرش الجنسى، وهو ادعاء غير صحيح، فبناء على الدراسات الميدانية فالنسبة الأعلى للتعرض للتحرش تكون فى الشارع «أماكن الزحام» والمواصلات العامة، وليس التاكسيات، ومن ثم نرى أن هذا مشروع استثمارى بحت، ولا عيب فى ذلك سوى أنه بدلاً من دخول السوق والمنافسة على قدم المساواة مع شركات أخرى للتاكسى الذى يتم استدعاؤه بأنظمة إنترنت وإشراف صارم من شركات، «وهى شركات أصبحت متعددة ومتوفرة فى مصر»، هذا التاكسى الحريمى يحاول أن يستثمر فى مشكلات اجتماعية لتحقيق مكاسب مادية دون النظر إلى العواقب الوخيمة على الثقافة العامة، أيضاً ضارباً عرض الحائط بالجهود الهامة لوزارة الداخلية فى محاصرة ظاهرة التحرش، وغيرها ويعد تأكيداً على فشل جهود عديدة وجادة لحل المشكلات لا الاتجار بها. الخطورة أن هذا النوع من المشروعات يعد عزلة للنساء ومحاولة إيجاد حلول ساذجة ذات آثار خطيرة، لمشكلات اجتماعية وأمنية تحتاج إلى العمل الجاد والتخطيط السليم ودراسة أسس المشكلة لحلها، وليس تكوين مجتمعات نسائية تحاصر النساء وتعزلهن. وبالتأكيد لا يستهدف كل النساء، لأنه يستهدف من تستطيع دفع مقابل خدمة التاكسى الخاص، أما أغلب النساء والفتيات اللاتى لا يقدرن إلا على الأوتوبيسات العامة، فهن خارج رحمة المشروع.
وكان أولى بمحافظ القاهرة رفض المشروع لخطورة هذه المشروعات على مشاركة المرأة فى الحياة العامة وتأثيره اجتماعياً على بناء الثقافة المصرية، حيث قد تفرض بعض الأسر على بناتها ونسائها عدم التحرك إلا فى مثل هذه المركبات، وتحد من حركة المرأة وحريتها وتؤدى إلى آثار خطيرة على المدى البعيد، ما يعد انتكاسة حقوقية فعلى:
■ المستوى القانونى: يعد غير دستورى، ويتعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، وخاصة المادة (3) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، التى تنص على: «لكل فرد الحق فى الحياة والحرية وسلامة شخصه»، وليس فى عزله.
■ على المستوى الدينى: لا يوجد أى نص فى الشريعة الإسلامية يقضى بعزل النساء فى المجتمع، الأمر الذى يعد إساءة بالغة للإسلام، ولكافة الأديان، ويساهم فى ترسيخ صورة سلبية لدى العالم عن المجتمع العربى على حساب ما به من قيم تحترم العدالة والحرية.
■ على المستوى المجتمعى، سوف يساهم فى ترسيخ قاعدة العزل لحل كافة المشكلات، وقد يمتد إلى الجامعات وأماكن العمل والأماكن العامة، كما يشارك بصورة خطيرة فى القضاء على جهود التنمية.
وبدلاً من ترك مشكلات المجتمع مادة للادعاء والاتجار، أعتقد أننا بحاجة إلى تفعيل خطة لإعادة الأمن فى الشارع وتوفير الخدمات المرورية والتنقل الكريم لكافة المواطنين، نساء ورجالاً، وعلى المستويات كافة.