أكتب هذه الكلمات ولم أعرف بعدُ حكم المحكمة الدستورية بشأن الجمعية التأسيسية، ولن أكترث له أياً ما كان، فقد كررت فى مناسباتٍ عدة أن السلطة القضائية هى التى بدأت للأسف الشديد بالتغول على السلطة التشريعية يوم قضت بحل البرلمان فى سابقةٍ لم تحدث من قبل فى تاريخ البشرية المعاصر اللهم سوى فى مصر نفسها منذ عشرين عاما خلت.. لكننى أرفض مبدأ محاصرة المحكمة الدستورية بنفس رفضى لمحاصرة قصر الاتحادية، فكما نتحدث عن ضرورة المحافظة على مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة القضاء، فبنفس درجة الاهتمام لا بد من الحديث عن المحافظة على المؤسسة التنفيذية، لا سيما أن رأسها قد اكتسب شرعيته بقوة الانتخاب.
وبعد مليونية السبت الماضى التى أظهرت حجم المؤيدين للإعلان الدستورى، أرى أن كلا الفريقين بحاجة ماسّة لتثبيت قواعد اللعبة السياسية التى يتباريان فى إطارها.
والمقصود بتثبيت قواعد اللعبة هو أن يكون معروفاً سابقاً للشارع المصرى أن كلا الطرفين، النظام الحاكم والمعارضة السياسية، إذا فشلا فى تحقيق توافقٍ سياسىٍ فإن جميع أشكال التصعيد الممكنة المتاحة لهما ستبقى داخل الإطار السياسى لا تبرحه إلى غيره.
لذلك فإن الإجابة عن تخوف البعض من أن تنجر البلاد إلى دوامةِ عنف بسبب تطور الأزمة الحالية يُرد عليه من قبل أجهزة الأمن على اختلاف تشكيلاتها؛ إذ إن تهديد أمن البلاد بالهجوم على المنشآت العامة أو الخاصة ينبغى أن يواجَه بمنتهى الحزم والشدة، أياً ما كانت هوية المتعدى، وعلى ذلك فإن مشهد حرق مقرات حزب الحرية والعدالة لا ينبغى أن يمر بغير حساب؛ لأنه يعنى أن البعض قد قرر العدول عن سلمية المعارضة إلى تعمد إلحاق الأذى بالآخرين.. وهذا هو الخطر بعينه.
فليقرأ المعارضون مسودة الدستور وليخرجوا منها ما عنّ لهم من ثغرات أو أخطاء، وليعقدوا مؤتمراتهم الشعبية وليخرجوا على الشاشات الفضائية ليوجهوا الناس إن أرادوا إلى التصويت بـ«لا» على الدستور.. أو حتى فليقرروا مقاطعة الاستفتاء والدعوة إلى ذلك.. لا بأس، كل ذلك يندرج تحت حقوقهم السياسية التى كفلتها لهم قواعد اللعبة.. إنما التلويح بأى تصعيد «غير سلمى» أو الحديث عن انتهاء شرعية الرئيس مسألة فى غاية الخطورة تضرب استقرار البلاد ضربةً قاصمة.