إهدار كبير للوقت والجهد والمال. تصريحات ذات اليمين، وأخبار ذات اليسار، وتأكيدات وتفنيدات واستعراضات لتأمين المطارات التى تجرى على أعلى مستوى. لقاءات تليفزيونية تغوص فى التفاصيل.. «وليه نجيب شركة بريطانية؟ عندنا كوادر ولدينا مؤهلات».. «نستفيد من الخبرات الأجنبية ونحن قادرون على تنفيذها بأيادٍ مصرية». لكن الأيادى المصرية وما أصابها من عطل ولحق بأدمغتها من عطب تتحدث عن نفسها فى عقر مطار القاهرة الدولى، حيث «البزرميط» المحلى يتحدث عن نفسه. سويقة، غابة، مهزلة، فضيحة، والأدهى من ذلك أنها تفاصيل الحياة اليومية عند مطار القاهرة الدولى، وهو ما لا يسترعى انتباه أحد، أو يزعج مسئولاً، أو يقيل موظفاً. هيصة وزمبليطة ودربكة على أعلى مستوى. صحيح أنه يبدو أن أمناء الشرطة الواقفين عند الأبواب لديهم تعليمات بالامتناع عن النوم أو التوقف عن مطالعة الموبايل، ولكن الوضع مزرٍ، وللمرة الرابعة ألخص مشاهداتى عن المطار (التى بدأت قبل كارثة شرم الشيخ بأسابيع) فى نقاط لعل أحداً يقرأ.
- أماكن انتظار السيارات فوضى عارمة. أصحاب السيارات يسيرون عكس الاتجاه، ويوقفون سياراتهم فى أى مكان سواء كان مخصصاً لذلك أو تحت بند «بالذراع» وعلى المتضرر ضرب رأسه فى أقرب حائط. فوضى قيادة السيارات ببهيمية (من بهائم) فى أروقة المطار لا تقل عن غابة الشوارع، بما فى ذلك باصات المطار الضخمة التى يقود البعض من سائقيها بطريقة «اكسر عليه».
- عشوائية وغوغائية سائقى سيارات الأجرة لا تجد من يردعها أو حتى ينظمها. يتجاذبك السائقون الذين يدخل بعضهم صالة الوصول (رغم أن دخول غير المسافرين ممنوع منذ فترة) ويتصرفون بطريقة أقل ما يقال عنها إنها سوقية ومتدنية، ناهيك عن سخافة التعليقات وقماءة التلسينات التى يطلقونها على سبيل خفة الدم والظرافة لا سيما على السيدات والفتيات.
- وحيث إنه قد تم منع دخول غير المسافرين لأسباب أمنية وتأمينية، فإنه وفى أثناء توصيلى لابنتى المسافرة قبل أيام، فقد تابعت دخول كل من هب ودب من المستقبلين والمودعين الذين يتدافعون كالعادة وكأن الغرض اللحاق بالأوتوبيس أو المترو. وإن حصل وتصادف أن دقق الشخص الواقف على الباب وسأل أحدهم أو إحداهن عن جواز السفر والتذكرة، فإن ورقة بـ20 جنيهاً ربما تكون كفيلة بالدخول.
- أحد الأبواب ليس مغلقاً بل تم وضع شريط بقاعدتين معدنيتين لعدم دخول الناس. وحيث إن الباب خالٍ من العناصر البشرية، فإن الأطفال يمرون من تحته إلى الداخل أو ذويهم فيرفعون الشريط ويمرون بسلام إلى حرم الصالة.
- السيدات المنتقبات يلقين كل احترام وتبجيل من السادة الأمناء والواقفين على الأبواب للتأمين، وحيث إنهم متدينون بالفطرة ولا يصح طبعاً الكشف هن هوية القابعة تحت النقاب، فإنه يسمح لهن بالمرور دون سؤال.
- الأصوات العالية المزعجة سمة التواصل بين كثيرين من العاملين فى المطار. تجد أحدهم فى أول الصالة ينادى زميله فى آخرها، ويستمر الحديث بينهما وكأنهما فى سوق الجمعة، وقد يتطرقان إلى تبادل النكات والاستظراف رغم أنف الجميع.
- رغم أن التدخين ممنوع فى داخل الصالات، فإن الممنوع لا يسرى على العاملين. فتجد أحدهم واقفاً بكل إباء وشمم ويدخن بهدوء وسكينة معتمداً على زيه الرسمى وعجز الكبير قبل الصغير عن توبيخه أو مطالبته باحترام القانون.
- كل التقدير والاحترام والتعضيد لرجال الشرطة، وكل الاعتراف والامتنان بتضحياتهم فى سبيل مصر والمصريين التى تصل إلى درجة الموت والإصابات، ولكن لا يصح أن يقف أمين شرطة من المسئولين عن تأمين المكان ممسكاً بسلاحه الميرى بيد، ومقزقزاً اللب باليد الأخرى ومتفتفاً القشر على الأرض.
- الطابور فى جميع أنحاء العالم يضمن حق الجميع، لكنه فى مصر إهانة للكبرياء. وحين يأتى أحدهم ويخترق الطابور ويجرؤ أحدهم على الاعتراض، فإن الشعب المتدين بالفطرة يلتزم الصمت، وإن تحدث فهو عادة يعضد الجانب المعتدى على الدور، إما من باب «وإيه المشكلة يعنى؟» أو «كلنا هنسافر فى الآخر»، ويستوى فى ذلك المواطنون وأمناء الشرطة.
- التدقيق فى التفتيش لا يعنى بأى حال من الأحوال الرذالة أو السماجة أو التعالى أو القتامة. ولو علم الشعب المتدين بالفطرة أن «الابتسامة فى وجه أخيك صدقة» لابتسم. وللعلم أن الانطباع الذى يأخذه الشخص من أول نقطة تواصل مع شعب ما يكون فى المطار. وفى السياق نفسه، فإن بصبصة المسئولين للمسافرات -حتى وإن كن يرتدين ملابس غير خاضعة لمقاييس الأيزو المصرية المشبعة بنكهة العائدين من الخليج- أو النظر إليهن بعين «إيه إللى انتى عاملاه فى نفسك ده؟!» التى يستحلها الذكر المصرى، تتركان انطباعاً «زبالة».
- فى داخل المطار مكان مخصص للصلاة لمن يريد. ولأولئك الذين يصلون فى الكافيتريا أو على أبواب المحلات، فإن مثل هذه المشاهد لن تؤدى إلى جذب الكفار إلى الدين أو ترهيب أعداء الدين وردعهم.
ورغم أننى لست خبيراً استراتيجياً أو أمنياً، فإننى قد أدلو بدلوى كما يفعل آخرون.. قد أفعل وها أنا أفعل.. إلى أن نتمكن من نسف منظومة التعليم القائمة وتشييد أخرى تليق بالقرن الـ21، وإحلال وتبديل الخطاب الدينى المعتمد على المظاهر والقائم على الترهيب، وإعادة زرع قيم السلوك والذوق، هل يمكن تدريب مجموعات عمل بشكل مكثف والدفع بها إلى الواجهات المصرية، وعلى رأسها المطار، لأن كده عيب جداً؟!