توجيهات صدرت من الرئيس لرئيس الحكومة، أعقبها توجيهات من رئيس الحكومة للمسئولين بعدم السماح بزيادة أسعار السلع بالأسواق، عقب رفع نسبة الجمارك لما يزيد على 500 سلعة إلى 40%. الزيادة تمت تحت يافطة شديدة الجاذبية هى «التقليص من استيراد السلع الاستفزازية»، بهدف حماية للدولار. الكلام رطب مثل رطوبة طوبة، لكن القرار أثار زعابيب كثيرة داخل الأسواق تشبه زعابيب أمشير، مصداقاً للمثل الذى يقول «الاسم لطوبة والفعل لأمشير».
معروف أن أسعار السلع تحكمها العدوى، فأى ارتفاع يصيب سعر سلعة معينة من الوارد أن يحرك أسعار غيرها. طبيعة الأسواق هكذا، وبالتالى فأى حديث عن التحكم فيها يصبح نوعاً من التهكم على من يكتوون بالغلاء، لأنه طرح غير عملى، ولعلك تذكر الأحاديث التى تواترت أيام «حكومة محلب» عن الأسعار الاسترشادية، والتى لم تسمن ولم تغن من جوع، وربما تذكر أيضاً وعود الحكومة بتنفيذ وعد الرئيس بخفض الأسعار نهاية ديسمبر الماضى. نعم كان هناك تحسينات فى أسعار بعض السلع من خلال جهود بذلتها الرئاسة، لكنها غرقت فى بحر الغلاء الناتج عن قرارات من فصيلة «زيادة نسبة الجمارك على السلع الاستفزازية». وواقع الحال أن بعضاً مما جاء فى هذه القائمة لم يعد استفزازياً، كما يظن أصحاب القرار، فمن بين هذه السلع التليفزيونات وأجهزة الاستقبال، وهى بحال لم تعد سلعاً استفزازية، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الموبايل الذى يوجد فى يد ملايين المصريين سلعة استفزازية!
الحكومة تريد حماية الدولار من خلال تقليل الاستيراد، هذا توجه صحيح، لكن الملاحظ أن الدولار يرتفع فى السوق السوداء، رغم ما اتخذه البنك المركزى من إجراءات عديدة فى هذا السياق، لأن المسألة فى النهاية ترتبط بفكرة العرض والطلب، فزيادة الطلب على «الدولار» مع نقص المعروض ترفع سعره، شأنه فى ذلك شأن أى سلعة. وواقع الحال أن الحكومة لم تثبت قدرة على جلب الاستثمارات، ولتحدثنا فى هذا السياق عن نسبة المليارات التى حصدتها من المليارات المائة التى حدثتنا خلال المؤتمر الاقتصادى (مارس 2014) أنها سوف تتدفق إلى مصر، أضف إلى ذلك العجز عن استعادة عافية السياحة بعد الأحداث الإرهابية المتلاحقة التى تعرضت لها مصر، وأدت إلى تراجع عدد السائحين المتدفقين إلى البلاد. تلك هى الأسباب الحقيقية لنقص حجم المعروض من الدولار، وارتفاع سعره، بما لذلك من تداعيات على أسعار السلع والخدمات.
نحن نعيش أزمة لا بد أن نعترف بها. والمشكلات التى نعانى منها تنوء بها الجبال، والسلطة معذورة فيما تتخذه من قرارات لسد العجز فى الموازنة، كل ما نرجوه فى هذا السياق أمرين: أولهما أن تُحمّل الحكومة كل الطبقات نصيباً عادلاً من تبعات الأزمة التى نعيشها، ونصيباً مقسوماً من فاتورتها، فلا تترك المخمليين يحصدون، فى حين تنتحب الطبقة الوسطى، وينتحر الفقراء، والأمر الثانى: أن توضح لنا رؤية واضحة المعالم للحل، مشفوعة بخطوات واضحة، وإطار زمنى محدد، للتفاعل مع الأزمة والخروج من براثنها، أما الحديث بعبارات «السلع الاستفزازية» و«ضبط الأسواق» وخلافه، فهو حديث قديم قدم «طوبة وأمشير»!.