اللحمة أحلى ولا «الحلويات» يافاطمة؟.. «الممبار»
«فاطمة» ترتب بضاعتها وتنتظر الزبائن
تجلس «فاطمة» على كرسى فى منتصف شارع المدبح بالقرب من منطقة «عين الصيرة»، تُخفى آلام ظهرها الناتجة عن مرض الغضروف، الذى فاجأها مع تقدم العمر، لتظهر بهيئة الرجل القوى، فتمسك بالسكين تذبح «عجول»، تسلخ رؤوس و«تفش كوارع»، ثم تحمل «حلويات» العجل وتجوب بها شوارع الوايلى، شبرا والزاوية، لبيعها وجنى الرزق، غير عابئة بالتعب الذى يزداد عليها يوماً تلو الآخر، والزمن الذى يمضى بها سريعاً.
أكثر من 50 عاماً قضتها فى المهنة التى ورثتها عن والديها.. تذبح العجول وتبيع أحشاءها فى «الوايلى» و«شبرا».. وتحلم بشقة تجمعها مع ابنها «خالد» بدلاً من الغرفة الضيقة
لا تعرف «فاطمة»، عدد السنين التى قضتها فى تلك المهنة، والتى ربما تفوق الـ50 عاماً، حيث بدأتها وهى طفلة، مع والدها ووالدتها أصحاب نفس المهنة، وأتقنت تفاصيلها وأسرارها، كما تعلمت الجرأة ونسيان الخوف نهائياً، فضلاً عن مهارات التعامل مع الكبير والصغير، القوى والضعيف. تعيش «فاطمة» مع ابنها «خالد»، فى غرفة صغيرة بمنطقة المدبح، تدفع لها 200 جنيه إيجاراً شهرياً، ما جعلها تقبل بخروج «خالد» من المدرسة بعد وفاة والده ليساعدها على أعباء الحياة. حلمان تتمنى «فاطمة» تحقيقهما قبل أن تلقى ربها، الأول هو عودة الزبائن كما كان الحال وهى صغيرة تعمل برفقة والديها، أما الثانى فيتمثل فى شراء شقة تؤويها مع ابنها، بدلاً من الغرفة القميئة الضيقة. «الغلابة» هم زبائن السيدة الستينية، فيذهبون إليها لشراء «الفشة والممبار ولحمة الراس»، لأن أسعارها لا تتجاوز الـ15 جنيهاً، ومع ذلك لا تهرب من فِصالهم الدائم، وترضخ كثيراً لطلباتهم الملحة، لأنها تشعر بأحوالهم الصعبة، والتزاماتهم اللانهائية، المتمثلة فى مصاريف المعيشة والتعليم والمأكل والملبس.. وخلافه، الأمور التى لا تختلف كثيراً عن ظروفها.
احتكاك «فاطمة» بمجال الجزارة ووجودها الدائم فى «المدبح» وبيعها لـ«الحلويات»، لم تشفع لها لتذوق اللحوم، فتدخل جوفها كل فترة طويلة بسبب ارتفاع ثمنها، بينما تستعيض ذلك بأكل «الممبار والفشة»، والاقتناع بأنهما أحلى وأفيد من اللحمة.