[1]
هذه قولة كبيرنا «عبدالرحمن الأبنودى» فى رثاء سلفك العظيم «ناجى العلى»: أنت وناجى شهيدان لـ«إسرائيل» واحدة، جذرها فى جبل الهيكل، وفرعها فى هضبة المقطم. أنت وناجى «أحمر وأسود» فى علم القضية، وبينكما صورة الله. القاتل واحد يا حسينى، لا فرق إن كان مرشدا أو حاخاما. اللحية واحدة: عشب شيطانى يتدلى من شقوق الوجه ليملأ الأرض غلاً وبؤساً ونجاسة. الرصاصة واحدة: الله.. أو الخراب، ولا ثالث إلا أنت!
[2]
«للحرية الحمراء ألف باب».. أما أنت فـ«عتبتها» المقدسة. سنعبر دمك ذات يوم: العاقر تلد، والمريض يشفى، والأعمى يبصر، والعاجز ينتفض.. فدمك معجزة الخلق يا حسينى. كل الأنبياء الذين صلينا عليهم.. مروا بين عينيك.. كل الرسالات مختلف عليها إلا دمك. دمك هو الـ«ألف. لام. ميم».. هو «النص» المغلق على سرك الإلهى، أما نحن فـ«اجتهادات»: نحن المعزون، الجالسون وراء مكاتبنا، المهدرون فى سيولة الخطب والشعارات، الغارقون فى الحزن حتى آخر قطرة من دمك.. فسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً.
[3]
لم أكن أعرفك وجها لوجه. كان لا بد أن تموت لألقاك: حضناً لحضن، وقلباً لقلب، وفرحاً لفرح. أنت من «طما»، أقصى شمال سوهاج، منتصف «صعيدنا» بنقيضيه: طيبة القلب وعناد الذاكرة. نحن طيبون كالتراب الناعم يا حسينى، لكننا لا نُداس.. وساعة ثأرنا نلتهب كالحصى.
[4]
موتك أول الحياة.. فاطمئن: الذى قتلك أحيانا جميعاً. بم نسميه؟. نسميه خسيسا؟. لا يكفى.. نسميه جبانا؟. لا يكفى.. نسميه حقيرا؟. لا يكفى. ما اسم قاتلك يا حسينى: بديع، أم خيرت، أم مرسى؟. أى شيطان وضع رأسك فى تقاطع النيران هذا؟
[5]
تقول «خطيبتك» وقلبها يتمزق: «كنا نستعد للزفاف. كنا نجهز أثاث بيتنا. كنا نختلف كثيرا. خاصمنى ثلاثة أيام لأننى دافعت عن الإخوان. من الآن سأحيا لثأره. لن أترك الإخوان يهنأوا بدمه». تقول أيضاً والصورة فى ذهنها لا تزال طازجة، ساخنة: «كنا ننزل الميدان ذراعا بذراع». ما اسم قاتلك يا حسينى؟! يقول دمك الذى يعلوه بحر ويحاذيه بحر وصحراء، ويختلط فيه لحاء أشجار غابات أفريقيا بطحين حجارة المعابد: «مصر هبة النيل».. مصر إذن تفاحة خروجك من الجنة. إنها قدرك الذى هنت على نفسك من أجله.. كان لا بد أن تموت لأعرفك يا حسينى.
[6 ]
الكوفية حول رقبتك. نظارتك التى كان أعداؤك يشاهدونك من خلالها. جبهتك العريضة، اللامعة. وُسْطاك وسبابتك اللتان ترسمان علامة النصر. والكاميرا: آلة القتل التى أفزعت جحافل الهمج.. تلك صورتك الأخيرة يا حسينى، ثم موتك. ما الذى بينهما فى اعتقادك؟!
[7]
أسبوع وأنت تقاوم. الشظايا تملأ رأسك، لكن قلبك ينبض. ماذا رأيت بين سكتة المخ ودوران القلب؟. من رأيت وبم حلمت؟. ألهذا الحد لا تثق فينا يا حسينى؟. ألهذا الحد تخشى أن يأخذنا دمك إلى مفترق طرق؟. ألهذا الحد كنت تشعر أننا سنخذلك؟.. معك حق:
«أهلى لا أهلك.. ولا أهلك ساعات أهلك
وما تحكيليش عن اللى قتلك
مش هاخدلك تار
قتيل فى غربة بيفرق عن قتيل الدار
واحنا خطاوينا يَم الموت تجيب العار»
[8 ]
بكيت نفسى فيك، ثم أفقت مفزوعا: البكاء إهانة لموتك. اخرج من كفنك وانظر وراءك قليلا. أنت أفضل منا جميعا يا حسينى. أنت أكثر شرفا من كل الذين توعدوا خصومك وهتفوا باسمك واختبأوا فى قميصك. أنت الرابح الوحيد، وكل الجالسين حول المائدة خاسرون. الذى قتلك خسرك، والذى بكاك خسرك، والذى كتبك خسرك، فاصفح عنهم وقل.. سلام!