من الحدائق والميادين العامة إلى الأضرحة وأسفل الكبارى.. هنا يعيش أطفال الشوارع
بين جنبات الشوارع الرئيسية والميادين العامة غالباً ما تصادفهم، أحدهم يمسك قطعة قماش مهترئة ويقوم بدوره فى مسح زجاج السيارات، وآخر يمسك ببعض علب المناديل ويستغل فرصة غلق إشارة المرور ليتكئ على السيارات راجياً أصحابها شراء واحدة، وبنت لا يتعدى عمرها 16 عاماً تجلس حاملة طفلتها الصغيرة بجوار أحد المساجد الكبرى تطلب المساعدة من زوار المسجد... أماكن كثيرة ينتشر فيها أطفال الشوارع، ولكن عندما يتحدثون هم عن طبيعة معيشتهم وأماكن إقامتهم، يكتشف البعض أنهم فى نهاية اليوم لهم أماكنهم الخاصة التى أصبحت بالنسبة لهم بمثابة شققهم التى استطاعوا امتلاكها من الدولة، حتى وإن كانت مجرد حدائق وميادين عامة وأرصفة بعيدة عن أعين الناظرين.
لم تكن رحلة البحث عن أماكن مبيت أطفال الشوارع سهلة، إلى أن جاء طفل يبدو على ملامحه المعاناة، فوق حاجبه وفى جبينه جروح واضحة، وملابسه لم يكلف نفسه عناء إزاحة أتربة الشارع عنها، وكأنه خائف من أن تظهر رقعة سرواله إن تم تنظيفه، وقف «م.أ» يقتسم بعض الجنيهات مع أحد زملائه، بسؤاله عن مصدرها أكد أنه بائع مناديل فى إحدى الإشارات، وفى طريقه الآن لمكان نومه، لا لينام فى وقت مبكر (كانت الساعة 9 مساءً) لكن ليبدأ يومه مع أصدقائه حتى الساعات الأولى من الفجر، اصطحبنا معه حيث يرقد هو وأصحابه فكانت وجهته حديقة عامة بميدان الكيت كات، ينتشر بها عدد كبير من بائعى الشاى، وبجوارهم عشش خشبية يستخدمها الأطفال للنوم أسفلها، وبسؤال الطفل ذى الـ14 عاما عن بقية أصحابه، أكد أنهم لن يحضروا إلا فى منتصف الليل، وبعضهم يذهب للمبيت أسفل كوبرى الساحل فهو أيضاً مكان آمن.
لم يكمل «م.أ» كلمته حتى قاطعه أحد الشباب مؤكداً أن هناك تجمعا كبيرا عند كوبرى إمبابة حيث كانت هناك مشاجرة كبيرة والكل ذهب إلى هناك للدفاع عن أحد أصحابهم، لم يتغير الطريق فكل تلك الأماكن فى نفس الاتجاه، من ميدان الكيت كات يليه كوبرى إمبابة على بعد عدة أمتار ومن بعدهما كوبرى الساحل.. فى أسفل كوبرى إمبابة وسط عدد من الأغطية المهترئة جلس شاب تقترب سنه من العشرين، يمسك سيجارته بيده وباليد الأخرى يقلب فى التراب الذى جلس بجواره وكأنه يبحث عن شىء، المكان مزعج بسبب الضجيج، خاصة مع مرور السيارات الكبيرة أو القطار على الكوبرى، ولكنه لم يكترث لكل ذلك وكأنه اعتاد على سماعه، قال «ر.م»: «إن كنتوا بتدوروا على أماكن ولاد الشوارع، اللى همّا إحنا، هتلاقونا فى كل حتة، لأن الشارع ملكنا، ولا كمان هيطلبوا عليه فلوس عشان نقعد فيه»، بدا على الشاب امتعاضه من فكرة الحديث عن حالته ورفض التصوير لأن على حد قوله: «أنا ليا أم وأب وبيت ومش عايزهم يعرفوا أنا فين.. ما صدقت خلصت منهم!».
فى الطريق إلى كوبرى الساحل أكد أحد سكان إمبابة أن هناك مكانا يعتاده عدد كبير من أطفال الشوارع وهو منطقة برطس بجوار «شريط القطر»، وبالفعل هناك بالقرب من منطقة إمبابة تجمع عدد كبير من البنات والأولاد على السواء، جلسوا بجوار بائعة شاى أغلبهم يدخن السجائر من الجنسين ولكن حدثت مشاجرة حالت دون الحديث مع أحد منهم، لكن المكان بدا بعيداً عن الشوارع الرئيسية لا يلحظه إلا بعض المارة بجوار محلات صغيرة بالقرب من خط السكك الحديدية هناك، والمشهد لم يختلف أسفل كوبرى الساحل الذى يغلب عليه الظلام لعدم وجود إضاءة فى تلك المنطقة رغم وجود «ملاهى» للأطفال بالقرب منها، مكان بعيد عن النظر لا يراه إلا بعض سائقى الميكروباصات الذين يتركون سياراتهم هناك وقت حاجتهم لشرب بعض الشاى من إحدى الفتيات هناك.
كان من الصعب حصر أماكن بعينها يتردد عليها أطفال الشوارع، ولكن هناك صفات عامة تجعل الوصول إليهم سهلاً للغاية، فبجوار مسجد السيدة زينب تجلس بعض الفتيات بجوار أبواب الضريح، وعلى الجانب الآخر فى اتجاه مصلى الرجال يوجد حديقة كبرى نام أحد الرجال بجوارها وقام بتغطية نفسه حتى لا تظهر ملامحه للمارة، بينما مر بجواره عدد من الأطفال لا يتعدى عمر أكبرهم 15 عاماً، وقفوا يقصون كيف يقضون يومهم بين أرصفة الضريح حيث مصدر كسب الرزق من مريدى المقام، ثم المبيت ما بين الحديقة المجاورة حيث يرقد أحدهم، أو التوجه إلى حديقة ضريح سعد زغلول التى تتسع لعدد كبير منهم، فيما قاطعهم طفل لم يكمل عامه العاشر بعد وقال «ت.م»: «أنا مابحبش أروح عند ضريح سعد لأن هناك فيه مجموعة شباب اسمهم العصابة بنخاف نروح هناك بسببهم، لكن ساعات بنروح جراج السيدة جنب شارع المبتديان، مكان واسع وبعيد عن مضايقات قسم السيدة وفى نفس الوقت بعيد عن العصابة».
اخبار متعلقة
أطفال الشوارع: حكايات الجوع والاستغلال السياسى والانتهاكات الجنسية
«مصطفى» بعد 10 سنوات فى الشارع: «عايشين فى غابة.. والموس سلاحى»
أطفال يكشفون: نحن وقود المظاهرات والاعتصامات والعنف
المستشفيات ترفض استقبالهم وتبلغ عنهم إذا طلبوا «الخدمة الصحية»
رئيسة «القومى للطفولة والأمومة»: الظاهرة أصبحت «قنبلة موقوتة»
«الوطن» ترصد انتشار الإيدز بين أطفال الشوارع