المستشفيات ترفض استقبالهم وتبلغ عنهم إذا طلبوا «الخدمة الصحية»
![المستشفيات ترفض استقبالهم وتبلغ عنهم إذا طلبوا «الخدمة الصحية»](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/174751_660_4543014_opt.jpg)
كان من الصعب حصر أماكن بعينها يتردد عليها أطفال الشوارع، ولكن هناك صفات عامة تجعل الوصول إليهم سهلاً للغاية، فبجوار مسجد السيدة زينب تجلس بعض الفتيات بجوار أبواب الضريح، وعلى الجانب الآخر فى اتجاه مصلى الرجال يوجد حديقة كبرى نام أحد الرجال بجوارها وقام بتغطية نفسه حتى لا تظهر ملامحه للمارة، بينما مر بجواره عدد من الأطفال لا يتعدى عمر أكبرهم 15 عاماً، وقفوا يقصون كيف يقضون يومهم بين أرصفة الضريح حيث مصدر كسب الرزق من مريدى المقام، ثم المبيت ما بين الحديقة المجاورة حيث يرقد أحدهم، أو التوجه إلى حديقة ضريح سعد زغلول التى تتسع لعدد كبير منهم، فيما قاطعهم طفل لم يكمل عامه العاشر بعد وقال «ت.م»: «أنا مابحبش أروح عند ضريح سعد لأن هناك فيه مجموعة شباب اسمهم العصابة بنخاف نروح هناك بسببهم، لكن ساعات بنروح جراج السيدة جنب شارع المبتديان، مكان واسع وبعيد عن مضايقات قسم السيدة وفى نفس الوقت بعيد عن العصابة».
يكتمون آلامهم بداخلهم خوفاً من إلقاء القبض عليهم. حين يهاجم المرض أجسادهم يصبح الذهاب إلى المستشفى لتلقى الرعاية الصحية قراراً صعباً، فمكان الدواء يحملهم إلى مشقة جديدة هم فى غنى عنها، فمنذ فترة وجيزة صدر قرار بإبلاغ أقسام الشرطة عن وجود أطفال شوارع بالمستشفيات للكشف عن صحيفتهم الجنائية، القرار ترك أثره فى نفوس أطفال الشوارع، وبات الموت أقرب إليهم من اللجوء إلى المستشفى، لكنه ومع غلق المستشفيات العامة والخاصة أبوابها فى وجه هؤلاء تفتح «عيادة البسمة» بابها لعلاج الأطفال المصابين من الحروق والندبات التى تحدث لهم بشكل يومى، عيادة واحدة تفتح أبوابها خمسة أيام فقط منذ الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، على ضيق وقتها فإنها تستقبل 1500 طفل سنوياً أغلبهم تابعون لجمعيات أهلية لرعاية أطفال الشوارع.
الدكتورة هدى رزق، مدرس صحة عامة وطب الأسرة بكلية طب قصر العينى، منسق عام «عيادة البسمة» للتعامل مع طفل الشارع، تؤكد أن «البسمة» هى المكان الوحيد المتخصص فى علاج طفل الشارع، وتم إنشاؤها منذ 2007، بالتبرعات الشخصية، ولفتت إلى أنها العيادة الوحيدة التى لا تطالب طفل الشارع بأى شىء فى مقابل العلاج، فقط تقدم له الخدمة الصحية دون انتظار مقابل، بعكس ما يحدث فى بعض المستشفيات التى تسعى للإبلاغ عن طفل الشارع فى أقسام الشرطة بعد تقديم الخدمة الصحية لهم، ولفتت «رزق» إلى أن طفل الشارع يحتاج إلى معاملة خاصة من قِبل الطبيب المعالج، وهو ما تقدمه له «عيادة البسمة».
وأشارت إلى أن العيادة تقدم لقاءات توعية لأطفال الشوارع المترددين عليها بخطورة الأمراض وطرق انتقالها وكذلك كيفية عمل إسعافات أولية فى حالة الإصابات المتكررة التى تحدث لهم.
وأشارت «رزق» إلى أن أكثر الأمراض التى يتعرض لها طفل الشارع عبارة عن أمراض الصدر والحساسية الصدرية والالتهاب الرئوى والأمراض الجلدية والأمراض التناسلية بالنسبة للفتيات، بالإضافة للجروح القطعية والحروق التى تحدث بشكل متكرر بسبب وجودهم الدائم فى الشارع، وأضافت أن الالتهاب الكبد الوبائى موجود بينهم بنسب كبيرة، وهو ضمن الأمراض التى تنقل بالاتصال الجنسى.
ولفتت «رزق» إلى أن المشكلة الحقيقية التى تواجه طفل الشارع هى أن المستشفيات ترفض استقباله نظراً لأنه لا يملك بطاقة شخصية، أو أنها تقوم بالإبلاغ عنه، وهو ما يدفع طفل الشارع للهروب منها، وتكبد الألم بصورة كبيرة قد تصل إلى موته نظير ألا يذهب إلى المستشفيات، وهو أسلوب غير صحيح فى التعامل مع حالة مرضية بحاجة إلى الرعاية الصحية فقط. وأوضحت «رزق» أن عيادة واحدة متخصصة فى علاج أطفال الشوارع لا تكفى وينبغى نشر القيم الخاصة بالتعامل مع طفل الشارع بين كافة المستشفيات من أجل حماية هذه الفئة من انتشار الأمراض بين أجسادهم.
من جانبه، قال هانى هلال، الأمين العام للائتلاف المصرى لحقوق الطفل: «منظمات المجتمع المدنى طالبت الدولة بتقديم رعاية صحية لطفل الشارع باعتباره من أكثر الفئات عرضة للإصابة بالأمراض، وبعدما اتخذت وزارة الصحة الإجراءات لكى يشمل التأمين الصحى هؤلاء الأطفال، وجدنا أن القرارات توقفت بسبب تغيير الوزراء، وهذه أزمة كبيرة تواجهنا، خاصة أن طفل الشارع بحاجة حقيقية لوضع تشريع يضمن له رعاية صحية جيدة». وأشار «هلال» إلى أن أطفال الشوارع إذا لم يتوصلوا لأى مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدنى لمساعدتهم فى تلقى العلاج والرعاية الصحية اللازمة لهم فإنهم لا يستطيعون الحصول عليها. وذكر «هلال» أن الحق فى الصحة واجب لكل مواطن مصرى، ومن حق الدولة أن تسعى لتحقيقه فعلياً لكنه على أرض الواقع فإن طفل الشارع لا ينال تلك الخدمة.
«كريم» البالغ من العمر 15 عاماً يحكى عن تجاربه مع المستشفيات فيقول: «كل ما نفكر نروح المستشفى بنلاقيهم يرفضوا يدخلونا لأننا ما معناش بطايق، ولو حاولنا نقولهم أى حاجة بيطلبوا لنا الشرطة تيجى تاخدنا»، «كريم» الذى أكمل عامه الثالث فى الشارع بعيداً عن أسرته يعتقد أن المستشفيات ليست باباً مفتوحاً له ولزملائه فى الشارع، وإنما هى باب مفتوح لمن يمتلك أباً وأماً يدافعان عنه، يحكى «كريم» عن مأساة عاشها هو وصديق له حينما أصابه طلق نارى فى الأحداث الماضية حيث رفضت أغلب المستشفيات استقباله، وظل يبحث مع صديقه المصاب عن مكان يستقبله، لكن كل المحاولات باءت بالفشل إلى أن أشفق عليهم أحد الأطباء بمستشفى «الدمرداش»، وقام باستقباله وعلاجه.
اخبار متعلقة
أطفال الشوارع: حكايات الجوع والاستغلال السياسى والانتهاكات الجنسية
«مصطفى» بعد 10 سنوات فى الشارع: «عايشين فى غابة.. والموس سلاحى»
أطفال يكشفون: نحن وقود المظاهرات والاعتصامات والعنف
من الحدائق والميادين العامة إلى الأضرحة وأسفل الكبارى.. هنا يعيش أطفال الشوارع
رئيسة «القومى للطفولة والأمومة»: الظاهرة أصبحت «قنبلة موقوتة»
«الوطن» ترصد انتشار الإيدز بين أطفال الشوارع