وسط الانقسام الجارى فى المجتمع المصرى، ورغم نجاح الاستفتاء على مشروع الدستور (بنعم) بنسبة حوالى 64%، ووسط الانشغال الكبير بالمستقبل، يأتى قانون إنشاء مدينة زويل، من النقاط البيضاء التى تعين فى تشكيل مستقبل يليق بالأمة.
وتلك المدينة والمشروعات يمكن أيضاً أن تجمع الأمة فى اتجاه سليم، إذا خلت من التعصب الحزبى والعفن السياسى والصراع الاستقطابى القائم فى مصر حاليا.
تأخر هذا المشروع وأمثاله كثيراً نتيجة الفساد والظلم والديكتاتورية والتخلف فى العهد البائد، لأنه كان يجب أن تكون الثورة ضد الجهل والتخلف من أمد بعيد. ولكى ينجح هذا المشروع نجاحا حقيقيا يحتاج إلى عدة عوامل تساعد على هذا النجاح المنشود.
أولاً: يحتاج هذا المشروع إلى إدارة متخصصة، تفهم معنى التقدم العلمى والتقنى، وكيفية تحقيق ذلك، وتكون مؤهلة علميا وإداريا ومجتمعيا لهذه المهمة الجليلة.
ثانياً: يحتاج هذا المشروع إلى باحثين متخصصين من جميع التخصصات العلمية، ممن يحبون مصر مهما كانت انتماءاتهم السياسية، فلا دخل للانتماء السياسى بالبحث العلمى، ولذلك فإن مراكز البحوث المتخصصة فى الدول التى تقدمت، لا تفرق بين الباحثين بسبب الدين أو الانتماء السياسى أو الفكرى ولا اللون ولا الجنس. كما يحتاج الباحثون إلى حماية حقيقية، خصوصا بسبب خطورة هذا المشروع وعلى الأخص فى حالة نجاحه، حتى لا يلاقوا مصير الدكتورة سميرة موسى والدكتور يحيى المشد، رحمهما الله تعالى أو غيرهما من الباحثين المصريين والإيرانيين وغيرهم الذين تعرضوا للقتل أو الاختفاء، ولعل الدكتور زويل نفسه يجد الحماية الكافية حتى لا يكون هدفا لأعداء الوطن فى المستقبل.
ثالثاً: يحتاج المشروع إلى استراتيجية واضحة للبحث العلمى والإدارة العلمية، تبين أهداف المشروع والخطط اللازمة والمشروعات الدقيقة لإنجاز تلك الاستراتيجية، وحشد كل القدرات والإمكانات اللازمة لذلك.
رابعاً: يحتاج هذا المشروع إلى تنسيق مع جهات البحث المختصة، خصوصا فى القوات المسلحة والجامعات، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة حفظ الأسرار المتعلقة بهذا المشروع وحمايته، وبالذات عن أعين الأمريكان والإسرائيليين.
خامساً: الاستفادة من نتائج المؤتمرات والندوات العلمية داخليا وخارجيا، ومشروعات الأبحاث التى لم تشهد النور رغم جودتها، والاهتمام بالنابهين والمتفوقين منذ الصغر وتوجيههم إلى التخصص الذى يستفاد منه.
سادساً: أن ندرك أن مفاتيح التقدم ترتبط بالبحوث والإدارة، وأن الدين مصدر إلهام وتقويم وتحفيز فى ضوء بعض الآيات القرآنية الكريمة نذكر منها:
(إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض)، ولعل هذه المدينة العلمية تبدأ فى التفكير فى خلق السماوات والأرض والبحار والمحيطات، لأن الله تعالى سخّر لنا جميعا هذا الكون، فنجح غيرنا فى غزو الفضاء لأنهم أخذوا بالأسباب، ووقفنا نحن عند ذكر الله قياما وقعودا وعلى جنوبنا، رغم أن الذكر عبادة عظيمة، لكنه مع عظمته لا يغنى عن التفكر فى خلق السماوات والأرض.
سابعاً: الاستعانة بالباحثين المصريين بل والعرب والمسلمين المهاجرين خارج أوطانهم، الذين لم يجدوا البيئة المناسبة للبحث والابتكار، فلعل مصر ومدينة زويل تكون حاضنة لهم ولطموحاتهم ولأبحاثهم ومشروعاتهم، ولا شىء من ثمرات هذه الدنيا -مهما أعطى لهم- يقارن أو يعدل هذا العمل من البحث والابتكار مهما كلفنا ذلك.والله الموفق