أداء لجنة تقصى الحقائق فى موضوع الفساد فى توريد القمح أعطى الكثير من المتابعين انطباعاً جيداً عن أداء مجلس النواب الحالى، بعد ما التصق بصورته من تشوهات منذ تشكيله، وحتى أسابيع مضت. فقد اجتهدت اللجنة من خلال عمل ميدانى ممنهج فى الكشف عن عمليات السلب والنهب واستحلال المال العام من جانب البعض، فى وقت تعانى فيه الموازنة العامة للدولة من عجز غير مسبوق، يكتوى بناره المواطن نتيجة محاولات الحكومة التغلب عليه. ورغم ما تكشفه اللجنة يومياً من فساد، يقف وزير التموين، ووزارته، مهوّنين من الأمر، ومتحدثين عن نسب فساد محدودة، لا تتجاوز نسبة الـ4% من وجهة نظر المتحدث باسم الوزارة. هذا فى وقت أكد فيه رئيس اللجنة النائب مجدى ملك أن الفساد فى موضوع توريد القمح بالمليارات، ووصف الكلام الصادر عن التموين بالمستفز!.
عنده حق!. فالوزارة مسئولة بطريقة أو بأخرى عن حالات الفساد اللافتة التى كشفت عنها لجنة تقصى الحقائق، وإن أفلتت من المسئولية الجنائية، فليس بمقدورها أن «تزوغ» من المسئولية السياسية. وزير التموين مسئول مسئولية سياسية كاملة عما حدث، وبعد أن تنتهى اللجنة من عملها، من المفترض أن يساءل أمام مجلس النواب، وأن يكون للسلطة التنفيذية الأعلى موقف منه، فى ضوء التقرير الذى ستقدمه اللجنة. حدث ذات يوم أن اعتدى نجل عمرو بن العاص على أحد الأقباط من أهل مصر بعد الفتح العربى، فاشتكى القبطى للخليفة عمر بن الخطاب، فما كان منه إلا أن استدعى عمرو بن العاص وولده، وجاء بهما أمام القبطى، وطلب منه أن يقتص من ابن الأكرمين، ففعل القبطى وثأر لنفسه، بعدها فوجئ بعمر بن الخطاب يطلب منه أن يعلو بالدرة (العصا) صلعة عمرو بن العاص، فلما قال له لقد ثأرت ممن اعتدى علىَّ، قال له: والله ما تجرأ عليك إلا لأنه يتكل على أن أباه والى مصر. لقد أدار عمر هذا الموقف بوعى كامل بمفهوم المسئولية السياسية.
هناك إعلاميون يدافعون عن وزير التموين، وهذا حقهم، وهناك هاشتاج دشنه البعض ينافح عن إنجازاته!، تلك وجهة نظرهم، لكننى فى كل الأحوال أحذر من أن أى شخص يتورط فى الدفاع عن أداء يؤدى إلى إهدار مليارات الجنيهات من المال العام يوصم نفسه، بما لا يليق أن يوصم به إلا الإعلاميون الأجرة أو الملاكى، ومعاذ الله أن أتهم أحداً بذلك، دون دليل، لكننى فقط أحذر، وتحذير آخر أهمس به فى أذن زملاء المهنة ملخصه أن دور الإعلام دائماً وأبداً هو الرقابة على أداء المسئولين التنفيذيين، وليس التطبيل لهم، نعم من الضرورى أن يبرز الإعلامى الإيجابيات حين توجد، لكن عليه أن يستوعب أنه يقوم بذلك فى ضوء وظيفته الرقابية أيضاً التى تشتمل على رصد سلبيات وإيجابيات الأداء. علينا ألا نتناسى أن مليارات الدولارات أهدرت على هذا البلد طيلة العقود الماضية بسبب الفساد الذى تتلاقى فيه خطوط السياسة مع الاقتصاد مع الإعلام، بل وحتى الفن.. وإن كنتو نسيتوا اللى جرى هاتوا الدفاتر تنقرا..!.