لا مبالغة فى العنوان على الإطلاق.. فالفكرة كانت موجودة حتى ألغتها حكومة أحمد نظيف، وساهم إلغاؤها فى انفجار بركان الغضب فى وجه النظام قبل أن يكمل «نظيف» عامه السابع رغم تحمل المصريين لحكومة عاطف عبيد الأسوأ منها، التى أطلقت مشروع الخصخصة الذى باع ممتلكات الشعب المصرى بأبخس الأثمان!
هو قرار بسيط يوزع أعباء الرئاسة بل ومجلس الوزراء نفسه على عشرات المؤسسات الأخرى بإجراء بسيط جداً يقضى بتفعيل إدارات الإعلام والعلاقات العامة فى الوزارات والمحافظات والهيئات العامة فى البلاد.. تختص بمتابعة كل ما ينشر عنها فى مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، خصوصاً شكاوى المواطنين والمتعلقة منها بالعلاج أو «أكل العيش» أو الأخطار الداهمة والرد على أصحابها.. لن يؤدى القرار إلى فك الاشتباك المباشر بين الناس وبين الرئاسة أو مجلس الوزراء فحسب، وإنما وهذا هو الأهم إحساس المواطن أن لصرخته صدى وأن هناك من يتابع شكواه وأن الموظفين العموميين يقومون على مصالحه بالفعل، وأن سير العمل فى الهيئات العامة يسير كما ينبغى، وأنها لم تعد «عِزب» لرؤسائها ولمديريها يفعلون بها كما يشاءون، والأهم أيضاً هو إدراك الموظفين فى مستويات الإدارة الدنيا والمتوسطة أن هناك من يراقبهم وأن شكوى المواطنين ستجد من يهتم بها وأن «الرقباء» فى الهيئة التى يعمل بها سيصلون إليه وسيسجلون مخالفته إن حدث وخالف القوانين واللوائح أو ظلم أحد المتعاملين معه أو تجاوز القواعد العامة أو أن خرق أصول اللياقة الحاكمة لمهنته وعمله!
كنت قبل سنوات مشرفاً على صفحة البريد بصحيفة «الأحرار»، وكانت يومية عدا الجمعة، وفى يوم الجمعة كنت مشرفاً على صفحة الدين، بينما أشرفت أيضاً على صفحة الرأى، وكانت أربعة أيام فى الأسبوع ومعها أشرفت أيضاً على ملحق الثانوية العامة، وفى كل هذه الصفحات والملحق المنفصل لم يكن سطر واحد ينشر عن أى وزارة أو محافظة أو هيئة عامة إلا وجاء الرد عليه.. تتساوى فى ذلك وزارة الداخلية مع وزارة الصحة ووزارة الاتصالات مع الأوقاف، وكذلك محافظة القاهرة مع الإسكندرية وكفر الشيخ مع الجيزة وهيئة النقل العام بالقاهرة مع الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية والهيئة القومية للبريد مع الهيئة العامة لمياه الشرب وهكذا..
كان وللأمانة وللتاريخ، ورغم اختلافنا مع النظام الذى عمل فيه وزراء ومحافظون يردون بأنفسهم، ويحمل الرد توقيعهم رغم ما فيه من تفاصيل مثل الدكتور مفيد شهاب، بل كان أحياناً يتصل هاتفياً وقد تلقيت منه أكثر من اتصال، وكذلك المستشار محمود أبوالليل، وزير العدل الراحل، وهكذا فعل وقتما عمل محافظاً فى كفر الشيخ والجيزة وغيرهم وغيرهم..
كانت طلبات العلاج على نفقة الدولة تتم بشكوى بسيطة فى جريدة وإنقاذ أفراد وعائلات من القتل بتهديد بلطجية يتم بالطريقة نفسها، وهكذا يواجه انقطاع الكهرباء والمياه أو انفجار مواسير فى الشوارع، وهكذا أيضاً كل مظاهر الخطر على المصريين.. وإن كان ذلك تم فى نظام لم يقدم للمصريين ما يستحقونه ولا لمصر ما تستحقه وترك البلاد نهباً للصوص، فعلينا أن نتخيل تأثيره على بلد يبنى مصر من جديد من الإسماعيلية الجديدة إلى العلمين الجديدة، ومن قرية الأمل إلى شرق العوينات، ومن جبل الجلالة إلى شرق بورسعيد، ومن مصانع الخصخصة المستردة لملكية الدولة والشعب إلى محطات الطاقة فى كل مكان، ومن ضبط منظومة الخبز إلى إعادة منظومة التموين، ومعها أفرع الجمعيات التعاونية العامة، وكلها كانت قد دمرت وأفسدت فى السنوات الثلاثين الأخيرة.. ولذلك فسوف تكون الصورة مختلفة وأفضل جداً.
قرار واحد أو حتى تعليمات شفوية ملزمة تنتظر التطبيق بجدية على الفور سيغير الكثير، وخصوصاً أن إدارات الإعلام بمسئوليها ودرجاتها المالية وبمكاتبها موجودة ولا تعمل، ولن تكلف الدولة مليماً واحداً!