من قال إنهم "أحفاد البنا" فقد أفتى
خرج من مقر جمعية الشبان المسلمين إلى شارع رمسيس المظلم، استوقف تاكسى وفتح بابه الخلفى وولج إلى صالونه، تقدم صديقه عبدالكريم وجلس على يساره، انطلق صوت الرصاص ليشق سكون الليل ويضع نهاية لرجل اختلف حوله الكثيرون، طلقة لا يتعدى ثمنها قروشا أنهت حياته ولكنها لم تتمكن من القضاء على أفكاره، حسن البنا مرشد الإخوان فى ذمة الله.
«قاتل الله السياسة، التى تضطر الرجل الشريف أن يلف ويتناقض ويخادع وينكر الحقائق الواضحة على رؤوس الأشهاد، وهو يعلم أنه يتكلم بصفة رسمية فى مجلس يمثل أمة، وأن كلامه سينقل لينشر فى كل أرجاء المعمورة، وليقرأه الناس جميعاً مهما تباعدت ديارهم، ومع هذا كله تضطره السياسة أن يقول غير الحق، ألا قاتل الله السياسة التى تجعل من الرجل الشريف مخادعاً دولياً، ومرائياً رسمياً، وفى أدق المواقف وأحرج الساعات» كلمات قالها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، فالرجل الذى كان يُعرف جماعته بقوله «لسنا سياسيين ولا حزبيين، ولكن وطنيون» خالفت أجياله وصاياه، فبعد أن بدأت جماعة الإخوان نشاطها كجماعة دعوية انتهت بالوصول إلى المكان الأخطر فى الحكم، كرسى الرئيس.
الجماعة التى بدأت عام 1927، حسب قول البنا فى مقال نشرته الصحف فى عام 1944، كانت دعوتها فى الأساس «مقاومة تيارى الإلحاد والإباحية اللذين قذقتهما أوروبا على مصر»، وكانت وسيلة الإخوان إلى هذا المعنى تكوين جبهة من «النفوس المؤمنة» التى تستطيع فهم تعاليم الإسلام فهما صحيحاً تعمل على تطبيقه فى نفسها وفى كل ما يحيط بها، ثم تقدم الزمان، وما زال الكلام على لسان البنا، فاصطدمت الجماعة بالأوضاع الفاسدة مما دعا إلى وضع واجبات وأولويات لجماعة الإخوان ومنها العمل على إيجاد حكومة صالحة مما دعاهم لمقاومة المحتل الإنجليزى ومحاولة تحرير أرض الوطن، وحين بدا لهم أن يخوضوا معركة الانتخابات البرلمانية لم يريدوا أن يكون ذلك باسم الهيئة، بل أصدرت الهيئة قراراً بالإذن لمن شاء من الإخوان أن يرشح نفسه بذلك على أن يكون بـ«صفته الشخصية» لا بـ«صفته الإخوانية»، حرصاً على ألا تقحم الهيئة بصفتها العامة فى خصومة الأحزاب السياسية، ومن كل هذا الذى تقدم يبدو الفرق الواسع بين الوطنى والسياسى، حسب البنا، فالوطنى يعمل لإصلاح الحكم لا الحاكم، ولمقاومة المستعمر للحصول على الحرية، لا ليرثه فى السلطة، ولتركيز منهاج وفكر ودعوة، لا لتمجيد شخص أو حزب أو هيئة، ولهذا يحرص الإخوان المسلمون على أن يكونوا دائماً وطنيين لا سياسيين ولا حزبيين، ولقد انغمر الإخوان فى محيط العمل الوطنى وساهموا فيه أعظم المساهمة فى الفترة الأخيرة بمناسبة انتهاء الحرب وتحفز الأمم والشعوب للحصول على حقوقها المغصوبة، باعتبار أنها الفرصة السانحة التى لا يمكن أن تعوض وأن هذا هو موسم العمل لهذه الناحية بالذات.
«حسن البنا غير موجود الآن» يقول مختار نوح عضو جماعة الإخوان السابق وعضو المكتب السياسى لحزب مصر القوية، ففكر حسن البنا الذى تعلمه خلال حياته تم محوه الآن على أيدى الذين يطلقون على أنفسهم إخوان، حسب قوله، فأفكار «البنا» أشارت إلى أن العمل يكون لصالح المجتمع وليس لصالح أى جماعة، وقد رفض فكرة تكوين الأحزاب لأنه اعتبر أن الحزب «آفة فى المجتمعات» وكانت قولته المشهورة، حسب نوح، «نحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، وكم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا» مما يعبر عن الواقع الحالى للإخوان الذين ينتمون لمرشدهم الحديث لا القديم، وحسن البنا، كما يراه نوح، رجل دعوة، كان يتنازل عن حقه من أجل حقوق الآخرين، فكلمته المشهورة «الفرق بين الداعية والفرد أن الداعية جاء ليعطى حتى حقوقه» الأمر الذى يفعل الإخوان عكسه، فتوزيع المناصب واستغلال النفوذ وشق الشعب الواحد كان ضد دعوة الإمام «الإخوان يستأثرون بالسلطة وقطر تختار ابن وزير العدل وهو فى منصبه والمحافظون يُختارون من بين الإخوان حتى لو لم يكونوا قد شغلوا المناصب والسفراء أعضاء بالجماعة حتى لو لم يتعلموا السياسة»، إهمال تربية الفرد المسلم التى حض عليها الإمام الشهيد هو الشىء الذى يسيطر على فكر الإخوان الآن «البنا كان ينشئ الفرد كى لا يكون سبابا ولا لعانا، ودلوقتى هما اللى بيشتموا ويسبوا الناس» يرى نوح أن الخسارة فادحة، فالإخوان ابتعدوا تماما عن فكر الإمام «اللى كنا بنعتبره شرح للإسلام العادل».
أخبار متعلقة:
الجماعة "التائهة" بين الدعوة.. والسلطة
ميراث "البنا" فى المحمودية: قرية انتخبت "شفيق" ومنزل غارق فى القمامة.. وسيرة لايعلمها أحد
64 عاما على "فناء الجسد.. وبقاء الأفكار"
حسن البنا الحاضر الغائب