بيت «جمال عبدالناصر»في منشية البكري.. حلم المتحف الذى لم يكتمل
هدهد وحيد يقف فى ساحة البيت، بألوانه الزاهية بنى فاتح وعرف بنى مرقط من أطرافه بالريش الأسود ينقب عن طعام، على الرغم من أنها حديقة قاحلة تعانى من الجفاف حتى النباتات الصغيرة اختفت منها، إلا أنه استمر فى البحث غير عابئ بالظروف غير عابئ بمن حوله، وكأنه يتبع سياسة صاحب البيت الذى قرر فى وقت من الأوقات تحدى الجميع، ضارباً بيأسهم وإحباطاتهم التى زرعوها من حوله عرض الحائط، فى سبيل حلم واحد كان مصر. هو جمال عبدالناصر الذى لم يختلف كثيراً عن هيئة الهدهد الموجود فى صحن داره القابع بشارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة، فالهدهد الذى يوصف بأنه من الطيور النادرة، وبعرفه المميز كالتاج على رأسه، وقلة انحنائه يشبه زعيمنا الذى يعد زعيماً نادراً، وشخصية لا تتكرر كثيراً، رأى فى المصريين ما لم يروه فى أنفسهم، فأصبح بالنسبة لهم بمثابة النجوم التى يتطلعون إليها كلما اشتدت بهم الأزمات ليذكروا أنفسهم بالعزة والكرامة التى كانوا يعيشونها ذات يوم.
«البيت المهجور» هو اللقب الذى أطلقه العديد من سكان المنطقة على بيت الزعيم الراحل، كوصف لحاله، فلا أحد يدخله أو يخرج منه باستثناء حراسه، والعمارات الشاهقة من حوله، والمطاعم أصبحت أشبه بسلسلة حديدية أخفته عن أنظار الجميع، أما من الداخل فالإهمال كان هو العنوان الوحيد لحدائق اختفت منها معنى الحياة، وأشجار ذابلة تموت، فناء خلفى امتلأ بالمخلفات والقمامة وبقايا الأشجار بل وثعابين.
«كل ما نعلمه أن وزارة الآثار قررت تحويله إلى متحف، لكن متى؟ إجابة ذلك فى علم الغيب، ولكن المعلن حتى الآن ثلاث سنوات» بداية حديث أحد حراس بيت الزعيم عبدالناصر، عم مصطفى (63 عاماً) كان يعمل مديراً بإحدى إدارات الترجمة بوزارة الثقافة، وبعد خروجه على المعاش لم يجد وسيلة لزيادة دخله الذى ضاق على أسرته إلا بالعمل كحارس لبيت الزعيم، عم مصطفى الذى تبدأ مناوبته فى السابعة صباحاً وتنتهى فى السابعة مساءً، يرفض أن يقضى دقيقة واحدة بعدها بسبب الظلام التام للبيت فلا يوجد أى نوع من أنواع الإضاءة، وحتى «اللمبات الموجودة هى مجرد زينة، نضطر أن نأتى معنا بالكشافات»، كما أن دخول البيت ممنوع عليه أو أى أحد من زملائه، معلقاً «تعتبر مقتنيات المتحف عهدة تحتاج إلى إذن لجنة كاملة للاطلاع عليها».
الخلفية الثقافية التى استقاها عم مصطفى من عمله وسفره للخارج كثيراً، كان لها تأثير على رأيه بشأن البيت، فأولوية تحويله لمتحف كان يجب أن تتم سريعاً، دون الخضوع لبيروقراطية القرارات المصرية، ودون التأثر بفكرة توفير الاعتمادات المالية، لأن شعبية عبدالناصر الكبيرة داخل مصر وخارجها ستكون سبباً فى زيادة دخل الحكومة المصرية معلقاً «صحيح الإخوان بينهم وبين الزعيم خلاف تاريخى بعد أن حبسهم، ولكن عليهم أن يتغاضوا عن تلك الخلافات ويسرعوا فى تحويله لمتحف لأن عبدالناصر زعيم تاريخى».
أما عم محسن أحمد من أسوان (55 عاماً)، ويعمل فى أحد محلات بيع «البن» أمام بيت الزعيم الراحل مباشرة، يروى القصة التى يعرفها كبار السن من سكان المنطقة فقط، فسعى الحكومة المصرية لتحويل البيت إلى متحف قوبل بالرفض من أبنائه، وأمام هذا الرفض قرر القذافى الذى كان يعد صديق عبدالناصر المقرب وأحد المشاركين له فى حلم القومية العربية شراءه من الحكومة ومنحه لأبنائه، معلقاً «يا ليتهم يحولوه لمتحف، على الأقل يبقى لنا شىء من رائحة هذا الزعيم، الذى لم يتكرر حتى الآن فى تاريخ مصر».
أخبار متعلقة:
«مصر» التى كانت «جديدة»
عمارات الحي الهادئ "علي كل لون"..هندي ومغربي وأوروبي
الكوربة.. واحة على الطراز البلجيكى
مترو مصر الجديدة.. «زقزوقة» لأصحاب المزاج وطلبة المدارس
الثورة فى زيارة خاصة لـ«مصر الجديدة» والفضل لـ«مرسى»
"اللي بني الحي كان في الأصل بارون"
فى رسالة ماجستير عن «الضاحية البعيدة»: سكانها يركبون العجل ويتنزهون فى «جروبى» و«أمفتريون»
حديقة «الميرلاند» التى تحولت لأطلال تحتضن العشاق
من «الشهبانو» إلى «الحسين بن طلال».. ميدان «تريومف» يتحدى الحكومة