أثار قرار المحكمة الدستورية الخاص بمشاركة الجيش والشرطة بالتصويت فى الانتخابات لغطاً واسعاً بين كل الأوساط السياسية والشعبية، حيث يفتح هذا الباب الانتقال بالخلاف فى وجهات النظر بين القوى السياسية إلى داخل الجيش والشرطة وهما مؤسستان وطنيتان لا يجوز أن تلعب بهما أو تعصف باستقرارهما الأهواء السياسية.
تاريخياً كان الجيش يشارك فى التصويت منذ عام 1956 وحتى عام 1976، وعلمت الأجيال المعاصرة لتلك الفترة علم اليقين أن الجيش حينما تدخل فى السياسة وانغمس فيها شغل عن مهمته الأساسية وأصبح قادته غير منتبهين لمهمتهم الأولى وهى الدفاع عن الوطن، وحدثت نكسة كبرى للجيش المصرى عام 1967 أمام الصهاينة وتم الاحتلال الإسرائيلى لشبه جزيرة سيناء، ورغم انتصار أكتوبر المجيد فإننا ما زلنا نعانى من آثار تلك النكسة الكبرى.
ولقد فطن الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى الآثار المدمرة لانشغال الجيش بالسياسة فتم عام 1976 تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى أعفى الجيش والشرطة من التصويت فى الانتخابات، واستمر هذا الأمر حتى يومنا هذا وتم الحفاظ على تماسك هاتين المؤسستين الوطنيتين.
ولأن قرار المحكمة الدستورية يسمح للجيش والشرطة بالتصويت فإن مقتضى ذلك أن يأخذ المرشحون فى أى انتخابات حق الدعاية بين أفراد هذه الكتلة التصويتية المؤثرة، وقد نرى إعلانات وصوراً للمرشحين يتم تداولها داخل الوحدات العسكرية، وربما كتب أحد المرشحين تحت صورته «الإسلام هو الحل»، وكتب آخر «الوفد أمل الأمة». آنذاك ستحدث مناقشات ومشاحنات انتخابية بين ضباط وأفراد القوات المسلحة، فمن يستطيع تحمل ذلك؟ ومن يستطيع منع ذلك؟!
وثمة نقطة أخرى مهمة: هل سيسمح لقوات حرس الحدود أن تأخذ إجازة يوم الانتخابات لتشارك فى التصويت وتترك الحدود مفتوحة لكل من هب ودب؟ وهل يمكن للمرشحين أن يحصلوا على قاعدة بيانات العسكريين من حيث الاسم ومحل الإقامة ونوع السلاح الذى ينتمون إليه حتى تسهل مخاطبتهم لكسب أصواتهم فى الانتخابات؟!
وبالمناسبة من سيقوم بحراسة مقار الانتخابات إذا انشغلت قوات الجيش والشرطة بالتصويت والوقوف فى طوابير انتخابية طويلة، وهل سيكون للعسكريين مقار انتخابية خاصة داخل ثكناتهم ويكون مطلوباً -وفق القانون- اختيار بعض منهم كمندوبين للأحزاب السياسية.
ويثور سؤال غاية فى الأهمية مؤداه: «هل لقرار المحكمة الدستورية ذاك صلة بما أعلنه الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع من أن الجيش لن يتدخل فى السياسة وخيرٌ لمن يريد التغيير الوقوف خمس عشرة ساعة أمام صناديق الانتخابات.. ولمصلحة من يتم استدعاء الجيش رغماً عنه كى يدخل فى لعبة السياسة ثم تتعالى الأصوات بعد ذلك: أوقفوا أخونة الجيش أو أوقفوا سلفنة الجيش أو أوقفوا وفدنة الجيش؟!».
إن المواءمة السياسية فى الوقت الراهن تستلزم التعامل بحكمة.. فهل ما نراه من استدعاء الجيش للسياسة حكمة فى القول أو سداد فى الرأى؟
إن نص القانون يقول بإعفاء قوات الجيش والشرطة من التصويت فى الانتخابات، والإعفاء غير الحرمان إذ قد تنتهى مدة الإعفاء باستقرار الأوضاع السياسية. إن نص قانون مجلس الشورى أحكم وأدق صياغة، فهل يتفوق مجلس الشورى فى هذا المضمار على قرار المحكمة الدستورية الذى علّق عليه كثير من المهتمين ووصفوه بعدم المواءمة السياسية وافتقاد الحكمة والدقة.. أى وجهتى النظر سيسود فى النهاية، وجهة النظر التى تنادى بأن ينأى الجيش والشرطة عن الخلاف السياسى أم وجهة النظر التى تفتح الباب واسعاً أمام «تسييس الجيش»، ولربما «أخونة الجيش».