خطفت قلبه من أول نظرة، عندما رآها «عاصم» أيقن أن «سهير» هى فتاة أحلامه التى طال انتظارها، كان ذلك فى عام 2014، بعد أكثر من حيلة نجح «عاصم» فى التقرب لفتاته، لتنشأ بينهما قصة حب انتهت بالخطوبة، حصل الشاب الذى تخرج فى الجامعة فى عام 2001 على شقة من شقق الإسكان الاجتماعى ينتظر تسلمها مطلع 2018، وبدأ استعداده للزواج بتفاؤل منقطع النظير، والدته «ربة المنزل» تدعمه بكل ما استطاعت من قوة فهو ابنها الوحيد، رحل والده عن الدنيا وهو فى سن صغيرة، لكن فجأة حدث ما لم يكن فى حسبان «عاصم»، فقد اكتشف الشاب، بمرور الوقت، أن المبلغ الذى ادخرته له والدته مع ما تحصل عليه من رحلة سفر سريعة إلى دولة خليجية، لن يكفى لشراء ربع الأجهزة المنزلية والموبيليا اللازمة لإتمام زواجه من «سهير»، فقد توالى ارتفاع الأسعار بشكل جنونى منذ أن قررت الحكومة فى نوفمبر 2016 «تعويم الجنيه».
دبت المشاكل بين «عاصم» وأسرة خطيبته، بسبب تأخره فى تجهيز «عش الزوجية»، ثم تطور الأمر لتنضم «سهير» إلى أهلها وتطلب فسخ خطوبتها بعد أن قالت لخطيبها بصريح العبارة «واضح إن التعويم أقوى من حبنا، والأحسن كل واحد يشوف مستقبله مع حد تانى»، اسودت الدنيا فى وجه وقلب الشاب الطموح، الذى اضطر لفسخ خطوبته من «سهير»، لكنه قرر أيضاً أن يتحدى شبح «التعويم» الذى قلب حياته رأساً على عقب وينتصر عليه نصراً حاسماً، فأمسك بالكيبورد وراح يبحث فى شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) عن فرص السفر المتاحة إلى دول الخليج العربى، وأيضاً عروض الهجرة إلى كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، وأقسم فى قرارة نفسه أنه سيقبل أى فرصة سفر أو هجرة إلى أى بلد فى العالم حتى وإن كانت فى بلاد «واق الواق»، التى اخترعها الأديب الساخر محمود السعدنى، فقط البلد الوحيد الذى تمسك «عاصم» بعدم الالتفات إلى عروض السفر إليه كان هو الكيان الصهيونى «إسرائيل»، وبعد شهور من البحث المضنى وسهر الليالى ضيفاً على «جوجل»، وبعد سلسلة مراسلات بريدية إلكترونية، جاء الفرج فقد وصل «إيميل» إلى الشاب الهارب من نار التعويم يخبره بأن سفارة أستراليا وافقت على اختياره ضمن قائمة مئوية من المصريين لإجراء مقابلات شخصية لانتقاء أفضل العناصر الصالحة للهجرة إلى القارة السعيدة، الطريف أنه أثناء المقابلة التى أجراها «عاصم» همس فى أذن مندوب السفارة الذى يجيد العربية، بعد أن اطمأن إلى نتيجة المقابلة: «بس اوعى يكون عندكم تعويم»، فرد عليه: «التعويم الوحيد اللى عندنا للبشر مش للعملة»، فعملاتنا الدولارية لسه بخير.
لم يكن ما سبق سوى قصة قصيرة، من وحى مجموعة قصصية تحت الطبع، لكنها حدثت بالفعل مع عشرات مثل «عاصم» و«سهير»، بعضهم قرر الصمود ومواصلة الحب فى زمن التعويم داخل مصر، ومنهم من قرر الانسحاب بحبه إلى الخارج ليبدأ حياة جديدة خالية من «نكد التعويم».